الحادي عشر : قول أبي العالية «إنّ كل حرف منها في مدّة أعوام وآجال آخرين».
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «سرّ أبو ياسر بن أخطب برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يتلو سورة البقرة (الم ذلِكَ الْكِتابُ) ، ثم أتى أخوه حييّ بن أخطب (١) ، وكعب بن الأشرف (٢) ، وسألوه عن «الم» وقالوا : ننشدك الله الذي لا إله إلا هو أحقّ أنها أتتك من السماء؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «نعم كذلك نزلت» ، فقال حييّ : إن كنت صادقا إني لأعلم أجل هذه الأمّة من السنين ، ثم قال : كيف ندخل في دين رجل دلّت هذه الحروف بحساب الجمل على أن منتهى أجل مدّته إحدى وسبعون سنة ، فضحك رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال حييّ : فهل غير هذا؟ قال : «نعم المص» فقال حييّ : هذا أكثر من الأولى هذه مائة وإحدى وثلاثون سنة ، فهل غير هذا؟ قال : «نعم الر» قال حييّ : هذه أكثر من الأولى والثانية ، فنحن نشهد إن كنت صادقا ما ملكت أمتك إلا مائتين وإحدى وثلاثين سنة ، فهل غير هذا؟ قال : «نعم» قال : «المر» قال : فنحن نشهد أنا من الذين لا يؤمنون ، ولا ندري بأي أقوالك نأخذ.
فقال أبو ياسر : أما أنا فأشهد على أن أنبياءنا قد أخبرونا عن ملك هذه الأمّة ، ولم يبينوا أنها كم تكون ، فإن كان محمد صادقا فيما يقول ، إني لأراه يستجمع له هذا كله فقام اليهود ، وقالوا : اشتبه علينا أمرك ، فلا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير؟ فذلك قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ)(٣) [آل عمران : ٧] الآية الكريمة.
وروي عن ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنها أقسام.
وقال الأخفش : أقسم الله ـ تعالى ـ لشرفها وفضلها ؛ لأنها مبادىء كتبه المنزلة ، ومباني أسمائه الحسنى.
وقيل فيها غير ذلك.
واعلم أن الله ـ تعالى ـ أورد في هذه الفواتح نصف عدد أسامي حروف المعجم ،
__________________
(١) حيي بن أخطب النضري : جاهلي من الأشداء العتاة ، كان ينعت بسيد الحاضر والبادي ، أدرك الإسلام وآذى المسلمين فأسروه يوم قريظة ثم قتلوه.
ينظر الأعلام : ٢ / ٢٩٢ (٣٥٠٩) ، سيرة ابن هشام : ١٤٨ و ١٤٩.
(٢) كعب بن الأشرف الطائي ، من بني نبهان ، شاعر جاهلي. كانت أمه من «بني النضير» فدان باليهودية. وكان سيدا في أخواله. أدرك الإسلام ولم يسلم ، وأكثر من هجوم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه ، وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم ، والتشبيب بنسائهم. وخرج إلى مكة بعد وقعة «بدر» فندب قتلى قريش فيها ، وحض على الأخذ بثأرهم ، وعاد إلى المدينة. وأمر النبي صلىاللهعليهوسلم ـ بقتله ، فانطلق إليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر جصنه سنة ٣ ه. وحملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة.
ينظر الروض الأنف : ٢ / ١٢٣ ، إمتاع الأسماع : ١ / ١٠٧ ، ابن الأثير : ٢ / ٥٣ ، الطبري : ٣ / ٢ ، الأعلام : ٥ / ٢٢٥.
(٣) ذكره ابن كثير في التفسير : ١ / ٦٠.