الهدى حال عدم الاهتداء قال الله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧] أثبت الهدى مع عدم الاهتداء. واحتج صاحب «الكشّاف» بأمور ثلاثة :
[أوّلها] : وقوع الضلالة في مقابلة الهدى ، قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : ١٦] ، وقال تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤].
وثانيها : يقال : مهديّ في موضع المدح كالمهتدي ، فلو لم يكن من شرط الهدى كون الدلالة موصلة إلى البغية لم يكن الوصف بكونه مهديا مدحا ؛ لاحتمال أنه هدي ، فلم يهتد.
وثالثها : أن «اهتدى» مطاوع «هدى» يقال : هديته فاهتدى ، كما يقال : كسرته فانكسر ، وقطعته فانقطع ، فكما أن الانكسار والانقطاع لازمان للكسر والقطع ، وجب أن يكون الاهتداء من لوازم «الهدى».
والجواب عن الأوّل : أن الفرق بين الهدى والاهتداء معلوم بالضرورة ، فمقابل «الهدى» هو «الإضلال» (١) ومقابل «الاهتداء» هو «الضلال» فجعل «الهدى» في مقابلة «الضلال» ممتنع.
وعن الثاني : المنتفع (٢) بالهدى سمي مهديا ؛ لأن الوسيلة إذا لم تفض إلى المقصود كانت نازلة منزلة المعدوم.
وعن الثالث : أن (٣) الائتمار مطاوع الأمر يقال : أمرته فائتمر ، ولم يلزم منه أن يكون من شرط كونه آمرا حصول الائتمار ، وكذا لا يلزم من كونه هذه أن يكون مفضيا إلى الاهتداء ، على أنه معارض بقوله : هديته فلم يهتد.
ومما يدل على فساد قول من قال : الهدى هو العلم خاصة أن الله ـ تعالى ـ وصف القرآن بأنه هدى ، ولا شك أنه في نفسه ليس بعلم ، فدلّ على أن الهدى هو الدلالة لا الاهتداء والعلم.
فصل في اشتقاق المتقي
والمتقي في اللغة : اسم فاعل من قولهم : وقاه فاتّقى ، والوقاية : فرط الصيانة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : التقيّ : من يتقي الشّرك والكبائر والفواحش (٤) ، وهو مأخوذ من الاتقاء ، وأصله : الحجز بين شيئين.
__________________
(١) في أ : الضلال.
(٢) في أ : أي المنتفع.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٢٣٣ ـ شاكر).