العموم ، فإن الله ـ تعالى ـ وصفه بكونه هدى من غير تقييد في اللّفظ ، مع أنه يستحيل أن يكون هدى في إثبات الصّانع ، وصفاته ، وإثبات النبوة ، فثبت أنّ المطلق لا يفيد العموم.
السّؤال الرابع : الهدى هو الذي بلغ في البيان والوضوح إلى حيث بين غيره ، والقرآن ليس كذلك ، فإن المفسّرين ما ذكروا آية إلّا وذكروا فيها أقوالا كثيرة متعارضة ، ويؤيد هذا قوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤].
وما يكون كذلك لا يكون مبينا في نفسه ، فضلا عن أن يكون مبينا لغيره ، فكيف يكون هدى؟ قلنا : من تكلم في التفسير بحيث يورد الأقوال المتعارضة ، ولا يرجح واحدا منها على الباقي يتوجه عليه السؤال ، وأما من رجح واحدا على البواقي فلا يتوجّه عليه السؤال.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(٣)
«الذين» يحتمل الرفع والنصب والجر ، والظاهر الجر ، وهو من ثلاثة أوجه :
__________________
ـ المؤمنة ، فاللفظ لا يكون مطلقا بالوضع ، وإنما نسبته إلى أمر آخر هي التي تصيّره مطلقا ، وهو يشير إلى ضابط الإطلاق بما اقتصر اللفظ فيه على مسمّى اللفظة المفردة ؛ كرقبة ، وإنسان.
وقال ابن السبكي في «الإبهاج» : المطلق على الإطلاق : هو المجرد عن جميع القيود ، الدّال على ماهية الشيء من غير أن يدل على شيء من أحوالها وعوارضها.
وقال ابن السبكي في «جمع الجوامع» : المطلق : هو الدال على الماهية بلا قيد ؛ من وحدة أو غيرها ؛ كالشيوع أو التعيين ، فالمنفي في التعريف هو اعتبار القيد لا وجوده في الواقع ونفس الأمر ؛ فإنه لا يتأتى وجود الماهية في الخارج إلا مقيدة ، وعدم اعتبار القيد في التعريف يصدق من وجهين : الأول : أن يوجد في الواقع لكنه لا يعتبر. الثاني : أن يوجد فقط ، فالقيد المذكور أعم من اعتبار العدم ؛ لأن الكلّيّ الطبيعي ، الذي هو عبارة عن الماهية له اعتبارات هي :
١ ـ إما مأخوذ لا بشرط شيء : وهو المطلق عن جميع العوارض ، فهو غير موجود في الأعيان الخارجية ؛ من حيث كونها فردا من الأفراد كما هو مذهب أكثر العلماء ، وإنما هو موجود فيها من حيث وجود شيء في الخارج يصدق عليه ، وإن خالفه باعتبار المفهوم الذهني.
٢ ـ أو مأخوذ بشرط شيء : وهو المسمى بالماهية المخلوطة ، نحو : الإنسان بقيد الوحدة ؛ وكالمقيد بهذا وأنت ، وهو موجود في الأعيان الخارجية.
٣ ـ أو مأخوذ بشرط لا شيء : وهو غير معتبر في الأحكام لعدم تحقق وجوده في الخارج مطلقا.
ينظر البحر المحيط للزركشي : ٣ / ٤١٥ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ٣ / ٣ ، سلاسل الذهب للزركشي : ص ٢٨٠ ، نهاية السول للإسنوي : ٢ / ٣١٩ ، وزوائد الأصول له : ٢٩٨ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري : ص ٨٢ ، التحصيل من المحصول للأرموي : ١ / ٤٠٧ ، المستصفى للغزالي : ٢ / ١٨٥ ، حاشية البناني : ٢ / ٤٤ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي : ٣ / ٧٦ ، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني : ص ٢٦٢ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه : ١ / ٣٢٨ ، ميزان الأصول للسمرقندي : ١ / ٥٦١ ، كشف الأسرار للنسفي : ١ / ٤٢٢ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني : ٢ / ١٥٥ ، الوجيز للكراماستي : ص ١٤ ، تقريب الوصول لابن جزيّ : ص ٨٣ ، إرشاد الفحول للشوكاني : ص ١٦٤ ، شرح الكوكب المنير للفتوحي : ص ٤٢٠.
وينظر الروضة لابن قدامة : (١٣٦) الحدود للباجي : (٤٧).