أصواتا مقطّعة بهذا النظم المخصوص في جسم مخصوص ، فيتلقّفه جبريل ـ عليهالسلام ـ ويخلق له علما ضروريا بأنه هو العبارة المؤدّية لمعنى ذلك الكلام القديم.
فصل في معنى فلان آمن بكذا
قال ابن الخطيب (١) : لا نزاع بين أصحابنا وبين المعتزلة في أن الإيمان إذا عدّي ب «الباء» ، فالمراد منه التصديق.
فإذا قلنا : فلان آمن بكذا ، فالمراد أنه صدق به ، فلا يكون المراد منه أنه صام وصلى ، فالمراد بالإيمان ـ هاهنا ـ التصديق ، لكن لا بدّ معه من المعرفة ؛ لأن الإيمان ـ ها هنا ـ خرج مخرج المدح ، والمصدق مع الشّك لا يأمن أن يكون كاذبا ، فهو إلى الذّم أقرب.
و «ما» الثانية وصلتها عطف على «ما» الأولى قبلها ، والكلام عليها وعلى صلتها كالكلام على «ما» التي قبلها ، فتأمله.
واعلم أن قوله : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) عام يتناول كل من آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام ، سواء كان قبل ذلك مؤمنا بموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ، أو لم يكن مؤمنا بهما ، ثم ذكر بعد ذلك هذه الآية وهي قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) [البقرة : ٣] يعني : التوراة والإنجيل ؛ لأن في هذا التخصيص مزيد تشريف لهم كما في قوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] ، ثم في تخصيص عبد الله بن سلام (٢) ، وأمثاله بهذا التشريف ترغيب لأمثاله في الدّين ، فهذا هو السبب في ذكر هذا الخاص بعد ذكر العام.
و «من قبلك» متعلّق ب «أنزل» ، و «من» لابتداء الغاية ، و «قبل» ظرف زمان يقتضي التقدم ، وهو نقيض «بعد» ، وكلاهما متى نكّر ، أو أضيف أعرب ، ومتى قطع عن الإضافة لفظا ، وأريدت معنى بني على الضم ، فمن الإعراب قوله : [الوافر]
١٣٢ ـ فساغ لي الشّراب وكنت قبلا |
|
أكاد أغصّ بالماء القراح (٣) |
__________________
(١) ينظر الرازي : ٢ / ٣٠.
(٢) عبد الله بن سلام مخفف ابن الحارث الإسرائيلي اليوسفي أبو يوسف حليف القواقل الخزرجي. أسلم مقدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة وشهد فتح بيت المقدس مع عمر وروى خمسة وعشرين حديثا اتفقا على حديث وانفرد بآخر شهد له النبي صلىاللهعليهوسلم بالجنة ونزل فيه (وشهد شاهد من بني إسرائيل) وقوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) وعنه ابنه يوسف وأبو هريرة وأنس. اتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وأربعين بالمدينة. رضي الله عنه.
ينظر الخلاصة : ٢ / ٦٤ (٣٥٥٧) ، تهذيب الكمال : ٢ / ٦٤ ، تهذيب التهذيب : ٥ / ٢٣٩ (٤٣٧) ، تقريب التهذيب : ١ / ٤٢٢ (٣٧٠).
(٣) هو لعبد الله بن يعرب بن معاوية ونسبه أبو عبيدة ليزيد بن الصعق. ـ