بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدمة
إضاءة على عصر ابن عادل
مدخل :
بادىء ذي بدء أقول : من رام الاطلاع على ملامح تكوين شخصية رجل ما ـ وخاصة أهل العلم ـ فلا بد أن يلم بطبيعة بيئته وحالة عصره ؛ إذ إن للبيئة تأثيرا في أفرادها.
وقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس وجعلهم أمما وقبائل ، ليتعارفوا وتكون بينهم علاقات شتى ، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فلا مفر إذن من التأثير والتأثر بين أفراد المجتمع الواحد والمجتمعات المتعددة إذا وجدت الصلة والعلاقات المتبادلة.
وإذا أردنا أن نتحدث عن وصف عصر شيخنا ابن عادل الحنبلي ، فينبغي قبل الخوض في ذلك تحديد الزمن الذي عاش فيه ، وليس بين يدينا تاريخ مولد هذا الإمام إلا أننا نعلم أنه توفي بعد سنة ٨٨٠ ه ، وهذا يعني ـ على أية حال ـ أن إمامنا قد ولد وعاش ومات في العصر المماليكي ، وبالتحديد في فترة حكم المماليك الشراكسة أو ما يعرفون ب «المماليك البرجية».
وقبل الدخول في وصف عصر ابن عادل نذكر مقدمة في بيان «أصل المماليك البرجية وتكوينهم» :
وقد نشأ هؤلاء المماليك في عهد السلطان المنصور قلاوون ، فإنه أعلن أنه كون فرقة المماليك البرجية لتكون حصنا مانعا له ولأولاده ، ولكي يضمن بهم بقاء السلطة في يده ، ويد أبنائه من بعده ، فاجتلب عددا كبيرا منهم ، وأسكنهم في أبراج القلعة ، فسموا «البرجية» تمييزا لهم عن المماليك «البحرية» الذين أقاموا في جزيرة الروضة.
وأما تسميتهم بالشراكسة أو الجراكسة فنسبة إلى بلاد الشركس ، وهي بعض بلاد الكرج ، على الساحل الشرقي للبحر الأسود ، والكرج بين بحر قزوين والبحر الأسود.
والمماليك البرجية يختلفون في الجنس عن المماليك البحرية ، حيث إنهم من الشراكسة ، وأما الآخرون فكان معظهم من الخوارزمية والأتراك (١).
وسنتكلم في الصفحات التالية عن وصف عصر المماليك البرجية من حيث :
__________________
(١) ينظر : د. أحمد شلبي : «موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية» ٥ / ٢٠٠ ، ود. سعيد عبد الفتاح عاشور : العصر المماليكي ص ١٤٠ ، ١٤١.