على ما لم ينزل ؛ لأنه لا بدّ من وقوعه ، فكأنه نزل من باب قوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل :
١]. بل أقرب منه ؛ لنزول بعضه.
فصل فيما استحق به المؤمنون المدح
قال ابن الخطيب (١) : إنه ـ تعالى ـ مدحهم على كونهم متيقنين بالآخرة ، ومعلوم أنه لا يمدح المرء بتيقّن وجود الآخرة فقط ، بل لا يستحق المدح إلّا إذا تيقن وجود الآخرة مع ما فيها من الحساب ، والسؤال ، وإدخال المؤمنين الجنّة ، والكافرين النار.
روي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : «يا عجبا كل العجب من الشّاك في الله وهو يرى خلقه ، وعجبا ممن يعرف النّشأة الأولى ثم ينكر النّشأة الآخرة ، وعجبا ممن ينكر البعث والنشور ، وهو [في](٢) كل يوم وليلة يموت ويحيا ـ يعني النوم واليقظة ـ وعجبا ممن يؤمن بالجنّة ، وما فيها من النعيم ، ثم يسعى لدار الغرور ؛ وعجبا من المتكبر الفخور ، وهو يعلم أن أوله نطفة مذرة ، وآخره جيفة قذرة» (٣).
قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٥)
«أولئك» مبتدأ ، خبره الجار والمجرور بعده أي : كائنون على هدى ، وهذه الجملة : إما مستأنفة ، وإما خبر عن قوله : الذي يؤمنون إما الأولى وإما الثانية ، ويجوز أن يكون «أولئك» وحده خبرا عن (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) أيضا إما الأولى أو الثانية ، ويكون (عَلى هُدىً) في هذا الوجه في محلّ نصب على الحال ، هذا كله إذا أعربنا (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) مبتدأ أما إذا جعلناه غير مبتدأ ، فلا يخفى حكمه مما تقدم.
ويجوز أن يكون (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) مبتدأ و «أولئك» بدل أو بيان ، و (عَلى هُدىً) الخبر.
و «أولئك» : اسم إشارة يشترك فيه جماعة الذّكور والإناث ، وهو مبني على الكسر ؛ لشبهه بالحرف في الافتقار.
وقيل : «أولاء» كلمة معناها الكناية عن جماعة نحو : «هم» و «الكاف» للخطاب ، كما في حرف «ذلك» ، وفيه لغتان : المد والقصر ، ولكن الممدود للبعيد ، وقد يقال : «أولالك» قال : [الطويل]
١٣٦ ـ أولالك قومي لم يكونوا أشابة |
|
وهل يعظ الضّلّيل إلّا أولالكا (٤) |
وعند بعضهم : المقصور للقريب والممدود للمتوسّط ، و «أولالك» للبعيد ، وفيه
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ٣١.
(٢) سقط في أ.
(٣) الحديث ذكره الرازي في «تفسيره» : (٢ / ٣١) ولا أراه يصح.
(٤) البيت للأعشى ينظر شرح المفصل : ١٠ / ٦ ، ونوادر أبي زيد : ص ١٥٤ ، وإصلاح المنطق : ص ـ