والجواب عن قول المرجئة : أنّ وصفهم بالتقوى يكفي لنيل الثواب ؛ لأنه يتضمّن اتقاء المعاصي ، واتقاء ترك الواجبات ، والله أعلم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٦)
اعلم أن الحروف لا أصل لها في العمل ، لكن هذا الحرف أشبه الفعل صورة ومعنى ، فاقتضى كونه عاملا.
أما المشابهة في اللفظ فلأنه تركّب من ثلاثة أحرف انفتح آخرها ، ولزمت الأسماء كالأفعال ، وتدخل نون الوقاية نحو : «إنّني وكأنّني» كما تدخل على الفعل نحو : «أعطاني وأكرمني» ، وأما المعنى فلأنه (١) يفيد معنى في الاسم ، فلما اشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل.
روى ابن الأنباري «أن الكنديّ» (٢) المتفلسف ركب إلى المبرد وقال : إني أجد في كلام العرب حشوا ، أجد العرب تقول : «عبد الله قائم» ، ثم يقولون : «إنّ عبد الله قائم» ثم يقولون : «إنّ عبد الله لقائم».
فقال المبرد : بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ ، فقولهم : «عبد الله قائم» إخبار عن قيامه ، وقولهم : «إن عبد الله قائم» جواب عن سؤال سائل ، وقولهم : «إن عبد الله لقائم» جواب عن إنكار منكر لقيامه.
واحتج عبد القاهر على صحّة قوله بأنها إنما تذكر جوابا لسؤال سائل بقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) [الكهف : ٨٣] إلى أن قال : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ) ، وقوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ) [الكهف : ١٣] ، وقوله : (فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ) [الشعراء : ٢١٦].
قال عبد القاهر : والتحقيق أنّها للتأكيد ، فإذا كان الخبر ليس يظنّ المخاطب خلافه لم يحتج إلى «إن» ، وإنما يحتاج إليها إذا ظنّ السامع الخلاف ، فأما دخول اللّام معها في جواب المنكر ، فلأن الحاجة إلى التأكيد أشد.
فإن قيل : فلم لا دخلت «اللام» في خبرها في قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) [المؤمنون : ١٦] ، وأدخل «اللام» في خبرها في قوله قبل ذلك : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ
__________________
(١) في ب : فلا.
(٢) يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي أبو يوسف فيلسوف العرب والإسلام في عصره وأحد أبناء الملوك من كندة نشأ في البصرة وانتقل إلى بغداد فتعلم واشتهر بالطب والفلسفة والموسيقى والهندسة والفلك ، قال ابن جلجل «ولم يكن في الإسلام غيره احتذى في تواليفه حذو أرسطاطاليس» من كتبه : رسالة في التنجيم ، والقول في النفس. ينظر الأعلام : ٨ / ١٩٥ (١٧٦٩) ، ابن خلكان : ٢ / ٣٠٩ ، هدية العارفين : ٢ / ٥٣٦.