والثاني : أن يكون ما بعدها مفردا أو مؤولا بمفرد كهذه الآية ، فإن الجملة فيها بتأويل مفرد كما تقدم ، وجوابها أحد الشّيئين أو الأشياء ، ولا تجاب ب «نعم» ولا ب «لا» ، فإن فقد الشرط سميت منقطعة ومنفصلة ، وتقدير ب «بل والهمزة» ، وجوابها «نعم» أو «لا» ولها أحكام أخر (١).
و «لم» حرف جزم معناه نفي الماضي مطلقا خلافا لمن خصّها بالماضي المنقطع ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) [مريم : ٤](لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : ٣]. وهذا لا يتصور فيه الانقطاع ، وهي من خواصّ صيغ المضارع إلّا أنها تجعله ماضيا في المعنى كما تقدم. وهل قلبت اللفظ دون المعنى أو المعنى دون اللفظ؟
__________________
(١) «أم» حرف عطف ، وهي نوعان : متصلة وهي قسمان :
الأول : أن يتقدم عليها همزة التسوية ، نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)[البقرة : ٦].
والثاني : أن يتقدم عليها همزة يطلب بها وبأم التعيين ، نحو : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ)[الأنعام : ١٤٤].
وسميت في القسمين متصلة ؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر ، وتسمى أيضا : «معادلة» ؛ لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية في القسم الأول ، والاستفهام في الثاني.
ويفترق القسمان من أربعة أوجه :
أحدها وثانيها : أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جوابا ؛ لأن المعنى معهما ليس على الاستفهام ؛ لأن الكلام معها قابل للتصديق والتكذيب ؛ لأنه خبر ، وليست تلك كذلك ، الاستفهام منها على حقيقته.
والثالث والرابع : أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين ، ولا تكون الجملتان معها إلا في تأويل المفردين ، وتكون الجملتان فعليتين واسميتين ومختلفتين ، نحو : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) ، و «أم» الأخرى تقع بين المفردين ، وهو الغالب فيها ، نحو : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) وبين جملتين ليستا في تأويلهما.
النوع الثاني : منقطعة وهي ثلاثة أقسام :
مسبوقة بالخبر المحض نحو (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ)[السجدة : ٢ ، ٣].
ومسبوقة بالهمزة لغير الاستفهام ، نحو : (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها)[الأعراف : ١٩٥] ؛ إذ الهمزة في ذلك للإنكار ، فهي بمنزلة النفي ، والمتصلة لا تقع بعده.
ومسبوقة باستفهام بغير الهمزة ، نحو : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)[الرعد : ١٦].
ومعنى «أم» المنقطعة الذي لا يفارقها الإضراب ، ثم تارة تكون له مجردا وتارة تضمّن مع ذلك استفهاما إنكاريا.
فمن الأول : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ)[الرعد : ١٦] لأنه لا يدخل الاستفهام على استفهام.
ومن الثاني : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ)[الطور : ٣٩] ، تقديره : بل أله البنات ؛ إذ لو قدّرت الإضراب المحض ، لزم المحال. انظر الإتقان : (٢ / ١٦ ـ ١٦٤ ـ ١٦٥).