١٥ ـ ........... |
|
سواء صحيحات العيون وعورها (١) |
فصل في استعمالات «سواء»
وقد ورد لفظ «سواء» على وجوه :
الأول : بمعنى : الاستواء كهذه الآية.
الثاني : بمعنى : العدل ، قال تعالى : (إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران : ٦٤] أي : عدل ؛ ومثله : (سَواءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة : ١] أي : عدل الطريق.
الثالث : بمعنى : وسط ، قال تعالى : (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥] أي : وسط الجحيم.
الرابع : بمعنى : البيان ؛ قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨] أي : على بيان.
الخامس : بمعنى : شرع ، قال تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) [النساء : ٨٩] يعني : شرعا.
السادس : بمعنى : قصد ، قال تعالى : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) [القصص : ٢٢] أي : قصد الطريق. و «الإنذار» : التخويف.
وقال بعضهم : هو الإبلاغ ، ولا يكاد يكون إلّا في تخويف يسع زمانه الاحتراز ، فإن لم يسع زمانه الاحتراز ، فهو إشعار لا إنذار ؛ قال : [الكامل]
١٥٤ ـ أنذرت عمرا وهو في مهل |
|
قبل الصّباح فقد عصى عمرو (٢) |
ويتعدّى لاثنين ، قال تعالى : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) [النبأ : ٤٠] ، (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) [فصلت : ١٣] فيكون الثاني في هذه الآية محذوفا تقديره : أأنذرتهم العذاب أم لم تنذرهم إياه ، والأحسن ألا يقدر له مفعول ، كما تقدم في نظائره.
والهمزة في «أنذر» للتعدية ، وقد تقدّم أن معنى الاستفهام هنا غير مراد ؛ لأن التسوية هنا غير مرادة.
فقال ابن عطيّة : لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه الخبر ، وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام ؛ لأنّ فيه التسوية التي هي في الاستفهام ، ألا ترى أنك إذا قلت مخبرا : «سواء علي أقمت أم قعدت» ، وإذا قلت مستفهما : «أخرج زيد أم قام»؟ فقد استوى الأمران عندك ، هذان في الخبر ، وهذان في الاستفهام ، وعدم علم أحدهما بعينه ، فلما عمتهما
__________________
(١) تقدم برقم (١٥٠).
(٢) هذا البيت لمضرس بن ربعي. ينظر الجامع لأحكام القرآن : ١ / ١٢٩ ، الدر المصون : ١ / ١٠٥.