ومثاله من أنكر وجود الصّانع ، أو كونه عالما مختارا ، أو كونه واحدا ، أو كونه منزها عن النّقائص والآفات ، أو أنكر نبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ؛ كوجوب الصّلاة والزكاة والصوم والحج وحرمة الربا والخمر ، فذلك يكون كافرا.
فأما الذي يعرف بالدليل أنه من دين محمد مثل كونه عالما بالعلم أو بذاته ، وأنه مرئي أو غير مرئي ، وأنه خالق أعمال العباد أم لا ، فلم ينقل بالتواتر القاطع للعذر ، فلا جرم لم يكن إنكاره والإقرار به داخلا في ماهيّة الإيمان ، فلا يكون موجبا للكفر ، والدليل عليه أنه لو كان جزءا من ماهية الإيمان لكان يجب على الرسول ألا يحكم بإيمان أحد إلّا بعد أن يعرف أنه عرف الحق في تلك المسألة بين جميع الأمّة ؛ ولنقل ذلك على سبيل التواتر ، فلمّا لم ينقل ذلك دلّ على أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما وقف الإيمان عليها ، ولما لم يكن كذلك وجب ألا تكون معرفتها من الإيمان ، ولا إنكارها موجبا للكفر ، ولأجل هذه القاعدة لا يكفر أحد من الأمة من أرباب التأويل ، وأما الذي لا سبيل إليه إلا برواية الآحاد ، فظاهر أنه لا يمكن توقّف الكفر والإيمان عليه ، والله أعلم.
فصل في الردّ على المعتزلة
احتجت المعتزلة بكل ما أخبر الله عن شيء ماض مثل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) [الحجر : ٩] ، (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] ، (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) [نوح : ١] على أن كلام الله محدث ، سواء كان الكلام هذه الحروف ، أو الأصوات ، أو كان شيئا آخر.
__________________
ـ ١ ـ ما يختص بما أخرجه الشّيخان في الصّحيحين ، ممّا لم يبلغ حدّ التواتر ؛ فإنه احتفّ بقرائن كثيرة ، كجلالة الشّيخين في هذا الشّأن ، ومكانتهما في تمييز الصّحيح ، وتلقّي العلماء للصّحيحين بالقبول.
٢ ـ المشهور : إذا كانت له طرق متباينة ، سالمة من ضعف الرّواة والعلل.
٣ ـ ما رواه الأئمّة الحفّاظ المتقنون : حيث لا يكون غريبا مثلا ، يروي الإمام أحمد بن حنبل حديثا ، ويشاركه فيه غيره عن الشّافعيّ ، ويشاركه فيه غيره عن مالك ؛ فإنّه يفيد الحكم عند سامعه بالاستدلال من جهة جلالة رواته ، لأن فيهم من الصّفات اللّائقة الموجبة للقبول ، ما يقوم مقام العدد الكثير من غيرهم.
ينظر البحر المحيط للزركشي : ٤ / ٢٥٧ ، البرهان لإمام الحرمين : ١ / ٥٩٩ ، سلاسل الذهب للزركشي : ٣١٨ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ٢ / ٣٠ ، نهاية السول للإسنوي : ٣ / ٩٧ ، زوائد الأصول له : ٣٣٦ ، منهاج العقول للبدخشي : ٢ / ٣١٧ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري : ٩٧ ، التحصيل من المحصول للأرموي : ٢ / ١٣٠ ، المنخول للغزالي : ٢٤٥ ، المستصفى له : ١ / ١٤٥ ، حاشية البناني : ٢ / ١٣١ ، الإبهاج لابن السبكي : ٢ / ٢٩٩ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي : ٣ / ٢١٥ ، حاشية العطار على جمع الجوامع : ٢ / ١٥٧ ، المعتمد لأبي الحسين : ٢ / ٩٢ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : ١ / ١١٢ ، التحرير لابن الهمام : ٣٣١ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه : ٣ / ٣٧ ، كشف الأسرار للنسفي : ٢ / ١٩ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى : ٢ / ٥٥ ، ٥٨ ، شرح المنار لابن ملك : ٧٨ ، ميزان الأصول للسمرقندي : ٢ / ٦٢٩ ، تقريب الوصول للشنقيطي : ١٢١ ، إرشاد الفحول للشوكاني : ٤٦ ، الكوكب المنير للفتوحي : ٢٦٣ ، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج : ٢ / ٢٧١.