النوع الرابع : القلب الخالي عن جميع الاعتقادات ، وهذا إما أن يوجد معه الإقرار ، أو الإنكار ، أو السكوت. فإن وجد الإقرار ، فإن كان الإقرار اختياريا ، فإن كان صاحبه في مهلة النظر لم يلزمه الكفر ، لكنه فعل ما لا يجوز حيث أخبر عما لا يدري هل هو صادق فيه أم لا؟
وإن كان لا في مهلة النظر ، ففيه نظر.
وإن كان الإقرار اضطراريا لم يكفر صاحبه ؛ لأن توقّفه إذا كان في مهلة النظر ، وكان يخاف على نفسه من ترك الإقرار لم يكن عمله قبيحا.
فإن كان مع القلب الخالي الإنكار باللّسان ، فحكمه على العكس من حكم القسم العاشر.
فإن حصل مع القلب الخالي السّكوت ، فهذا إن كان في مهلة النظر ، فذلك هو الواجب ، وإن كان خارجا عن مهلة النظر وجب تكفيره ، ولا يحكم عليه بالنّفاق ألبتة.
فصل في بيان أقبح الكفر
اختلفوا في أنّ كفر الكافر الأصلى أقبح أم كفر المنافق؟
قال قوم : كفر الأصلي أقبح ؛ لأنه جاهل بالقلب كاذب باللسان.
وقال آخرون : بل المنافق أيضا كاذب باللسان ، فإنه يخبر عن كونه على ذلك الاعتقاد مع أنه ليس عليه ، ولذلك قال تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤] ، وقال تعالى : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١] ثم إن المنافق اختص بمزيد أمور منكرة :
أحدها : أنه قصد التّلبيس ، والكافر الأصلي ما قصد ذلك.
وثانيها : أنّ الكافر على طبع الرجال ، والمنافق على طبع الخنوثة.
وثالثها : أنّ الكافر ما رضي لنفسه بالكذب ، ولم يرض إلّا بالصدق ، والمنافق رضي بذلك.
ورابعها : أنّ المنافق ضمّ إلى كفره الاستهزاء ، بخلاف الكافر الأصلي ، ولأجل غلظ كفره قال تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥].
وخامسها : قال مجاهد : إنه ـ تعالى ـ ابتدأ بذكر المؤمنين في أربع آيات ، ثم ثنّى بذكر الكفار في آيتين ، ثم ثلث بذكر المنافقين في ثلاث عشرة آية ، وذلك يدلّ على أنّ المنافق أعظم جرما ، وفي هذا نظر [لأن كثرة الاقتصاص بخبرهم لا توجب كون جرمهم أعظم](١) لأنه قد يكون عظم جرمهم لضمهم إلى الكفر وجوها من المعاصي ، كالمخادعة
__________________
(١) سقط في ب.