والاستهزاء ، وطلب الغوائل وغير ذلك ، ويمكن أن يجاب عنه بأن كثرة الاقتصاص بخبرهم تدلّ على أنّ الاهتمام بدفع شرهم أشدّ من الاهتمام بدفع شرّ الكفار ، وذلك يدلّ على أنهم أعظم جرما من الكفار ، والله أعلم.
فصل في ادعائهم الإيمان بالله واليوم الآخر
ذكر ابن الخطيب هنا سؤالا وهو : أنّ المنافقين كانوا مؤمنين بالله ، واليوم الآخر ، ولكنهم كانوا منكرين نبوة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلم كذبوا في ادّعائهم الإيمان بالله ، واليوم الآخر؟
وأجاب فقال : إن حملنا الآية على منافقي المشركين فلا إشكال ؛ لأن أكثرهم كانوا جاهلين بالله ، ومنكرين البعث والنشور.
وإن حملناها على منافقي أهل الكتاب ـ وهم اليهود ـ فإنما كذبهم الله ـ تعالى ـ لأن إيمان اليهود بالله ليس بإيمان ؛ لأنهم يعتقدونه جسما ، وقالوا : عزيز ابن الله ، وكذلك إيمانهم باليوم الآخر ليس بإيمان ، فلما قالوا : آمنّا بالله كان خبثهم فيه مضاعفا ؛ لأنهم كانوا بقلوبهم يؤمنون به على ذلك الوجه الباطل ، وباللّسان يوهمون المسلمين بقولهم : إنا آمنا بالله مثل إيمانكم ، فلهذا كذبهم الله ـ تعالى ـ فيه.
قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (١٠)
قوله : «يخادعون» هذه الجملة الفعلية يحتمل أن تكون مستأنفة جوابا لسؤال مقدّر هو : ما بالهم قالوا : آمنا وما هم بمؤمنين؟
فقيل : يخادعون الله ، ويحتمل أن تكون بدلا من الجملة الواقعة صلة ل «من» وهي «يقول» ، ويكون هذا من بدل الاشتمال ؛ لأن قولهم كذا مشتمل على الخداع ، فهو نظير قوله : [الرجز]
١٨٢ ـ إنّ عليّ الله أن تبايعا |
|
تؤخذ كرها أو تجيء طائعا (١) |
وقول الآخر : [الطويل]
١٨٣ ـ متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا |
|
تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (٢) |
__________________
(١) ينظر البيت في الكتاب : (١ / ١٥٦). والأصول : (٢ / ٤٨) وشرح الألفية لابن عقيل : (٣ / ٢٥٣) وشرح الألفية لابن الناظم : (٥٦٣) وشرح الأشموني : (٣ / ١٣١) ، والتصريح : (٢ / ١٦١) والخزانة : (٥ / ٢٠٣ ، ٢٠٤) ، والدر المصون : (١ / ١١٣).
(٢) البيت لعبيد الله بن الحر الجعفي. ينظر الكتاب : (٣ / ٨٦) ، شرح المفصل : (٧ / ٥٣) ، الدرر : (٢ / ١٦٦) ، الخزانة : (٣ / ٦٦٠) ، والإنصاف : (٢ / ٥٨٣) ، والهمع : (٢ / ١٢٨) ، وشرح الأشموني : (٣ / ١٣١) ، القرطبي : (١ / ٢٦١) ، والدر المصون : (١ / ١١٣).