تمسكوا بها زال العدوان ، ولزم كل أحد شأنه ، وحقنت الدّماء ، وسكنت الفتن ، فكان فيه صلاح الأرض ، وصلاح أهلها ، وإذا تركوا التمسّك بالشرائع ، وأقدم كلّ واحد على ما يهواه ، وقع الهرج والمرج والاضطراب ، ووقع الفساد في الأرض.
وقيل : الفساد هو مداراة المنافقين للكافرين ، ومخالطتهم معهم ؛ لأنهم إذا مالوا إلى الكفر مع أنهم في الظاهر مؤمنون أوهم ذلك ضعف الرسول وضعف أنصاره ، فكان ذلك يجري للكفار على إظهار عداوة الرسول ، ونصب الحروب له.
وقال الأصمّ : كانوا يدعون في السّر إلى تكذيبه ، وجحد الإسلام ، وإلقاء الشّبهات ، وتفريق النّاس عن الإيمان.
فصل في مراد المنافقين بالإصلاح
قوله : (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) هم المنافقون ، لأن مرادهم بهذا الكلام نقيض ما نهوا عنه ، وهو الإفساد في الأرض ؛ فقولهم : إنما نحن مصلحون كالمقابل له ، وفي هذا احتمالان.
أحدهما : أنهم اعتقدوا أن دينهم صواب ، فكان سعيهم لأجل تقوية ذلك الدّين ، لا جرم قالوا : إنما نحن مصلحون ، يعني : أن هذه المداراة سعي في الإصلاح بين المسلمين والكفار ، كما حكى الله ـ تعالى ـ عنهم قولهم : (إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) [النساء : ٦٢] فقولهم : «إنما نحن مصلحون» أي : نحن نصلح أمر الفساد.
وقال ابن الخطيب : العلماء استدلّوا بهذه الآية على أنّ من أظهر الإيمان وجب إجراء حكم المؤمنين عليه ، وتجويز خلافه لا يطعن فيه ، وتوبة الزّنديق مقبولة ، والله أعلم.
وقوله : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) «ألا» حرف تنبيه ، واستفتاح ، وليست مركّبة من همزة الاستفهام و «لا» النافية ، بل هي بسيطة ، ولكنها لفظ مشترك بين التّنبيه والاستفتاح ، فتدخل على الجملة اسمية كانت أو فعلية ، وبين العرض والتخصيص ، فتختصّ بالأفعال لفظا أو تقديرا ، وتكون النافية للجنس دخلت عليها همزة الاستفهام ، ولها أحكام تقدّم بعضها عند قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢] ، وتكون للتّمنّي ، فتجرى مجرى «ليت» في بعض أحكامها.
وأجاز بعضهم أن تكون جوابا بمعنى «بلى» يقول القائل : ألم يقم زيد؟ فتقول : «ألا» بمعنى : «بلى قد قام» وهو غريب.
و «إنّهم» إنّ واسمها ، و «هم» تحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون تأكيدا لاسم «إنّ» ؛ لأن الضّمير المنفصل المرفوع يجوز أن يؤكد به جميع ضروب الضّمير المتصل.
وأن تكون فصلا ، وأن تكون مبتدأ.