فصل في إعراب الآية
الهمزة في «أنؤمن» للإنكار ، والاستهزاء ، ومحلّ «أنؤمن» النصب ب «قالوا» وقوله: (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ) القول في «الكاف» و «ما» كالقول فيهما فيما تقدّم ، و «الألف» و «اللام» في «السفهاء» تحتمل أن تكون للجنس أو للعهد ، وأبعد من جعلها للغلبة كالعيّوق ؛ لأنه لم يغلب هذا الوصف عليهم ، بحيث إذا قيل : السفهاء فيهم منهم ناس مخصوصون ، كما يفهم من العيوق كوكب مخصوص.
والسّفه : الخفّة ، يقال : ثوب سفيه أي : خفيف النّسج ، ويقال : سفهت الرّيح الشيء: إذا حرّكته ؛ قال ذو الرمّة : [الطويل]
٢٠٧ ـ جرين كما اهتزّت رياح تسفّهت |
|
أعاليها مرّ الرّياح النّواسم (١) |
وقال أبو تمام : [الوافر]
٢٠٨ ـ سفيه الرّمح جاهله إذا ما |
|
بدا فضل السّفيه على الحليم (٢) |
أراد سريع الطّعن بالرّمح خفيفه ، وإنما قيل لبذيء اللسان : سفيه ؛ لأنه خفيف الهداية.
وقال عليه الصلاة والسلام : «شارب الخمر سفيه» (٣) لقلة عقله.
وقيل : السفيه : الكذّاب الذي يعمل بخلاف ما يعلم ، وإنما سمّى المنافقون المسلمين بالسّفهاء ، لأن المنافقين كانوا من أهل الرياسة ، وأكثر المسلمين كانوا فقراء ، وكان
عند المنافقين أن دين محمد باطل ، والباطل لا يقبله إلا السّفيه ، فلهذا نسبوهم إلى السّفاهة ، ثم إنّ الله ـ تعالى ـ قلب عليهم هذا القول فقال : «ألا إنّهم هم السّفهاء» لوجوه :
أحدها : أنّ من أعرض عن الدّليل ، ثم نسب المتمسّك به إلى السّفاهة ، فهو السّفيه.
وثانيها : أنّ من باع آخرته بدنياه فهو السّفيه.
وثالثها : أنّ من عادى محمدا صلىاللهعليهوسلم فقد عادى الله ، وذلك هو السّفيه.
__________________
(١) ينظر ديوانه : ص ٧٥٤ ، وخزانة الأدب : ٤ / ٢٢٥ ، وشرح أبيات سيبويه : ١ / ٥٨ ، والكتاب : ١ / ٥٢ ، ٦٥ ، والمحتسب : ١ / ٢٣٧ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٣٦٧ ، لسان العرب : (صدر) ، (سفه) ، الخصائص : ٢ / ٤١٧ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٣١٠ ، شرح ابن عقيل : ص ٣٨٠ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٨٣٨ ، والأشباه والنظائر : ٥ / ٢٣٩.
(٢) ينظر البيت في ديوانه : ٣ / ١٦١ ، الفخر الرازي : ٢ / ٦٢.
(٣) لم أجده في المصادر الحديثية بهذا اللفظ وقد ذكره الفخر الرازي في تفسيره (٢ / ٦٢).