فصل في تعلق الآية بما قبلها
قال ابن الخطيب (١) : لما نهاهم في الآية الأولى عن الفساد في الأرض ، ثم أمرهم في هذه الآية بالإيمان دلّ على أن كمال حال الإنسان لا يحصل إلا بمجموع الأمرين ، وهو تركه ما لا ينبغي ، وفعل ما ينبغي.
وقوله : (آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) أي : إيمانا مقرونا بالإخلاص بعيدا عن النفاق.
ولقائل أن يستدلّ بهذه الآية على أنّ مجرد الإقرار إيمان ، فإنه لو لم يكن إيمانا لما تحقّق مسمّى الإيمان إلّا إذا حصل بالإخلاص ، فكان قوله : «آمنوا» كافيا في تحصل المطلوب ، وكان ذكر قوله : (كَما آمَنَ النَّاسُ) لغوا.
قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١٥)
«إذا» منصوب ب «قالوا» الذي هو جواب لها ، وقد تقدّم الخلاف في ذلك ، و «لقوا» فعل وفاعل ، والجملة في محلّ خفض بإضافة الظّرف إليها.
وأصل «لقوا» : لقيوا بوزن «شربوا» فاستثقلت الضمة على «الياء» التي هي «لام» الكلمة ، فحذفت الضمة فالتقى ساكنان : لام الكلمة وواو الجمع ، ولا يمكن تحريك أحدهما ، فحذف الأول وهو «الياء» ، وقلبت الكسرة التي على القاف ضمّة ؛ لتجانس واو الضمير ، فوزن «لقوا» : «فعوا» ، وهذه قاعدة مطّردة نحو : «خشوا» ، و «حيوا». وقد سمع في مصدر «لقي» أربعة عشر وزنا : «لقيا ولقية» بكسر الفاء وسكون العين ، و «لقاء ولقاءة» بفتحها أيضا مع المدّ في الثلاثة ، و «لقى» و «لقى» بفتح الفاء وضمّها ، و «لقيا» بضم الفاء ، وسكون العين و «لقيّا» بكسرها والتشديد و «لقيّا» بضم الفاء ، وكسر العين مع التشديد ، و «لقيانا ولقيانا» بضم الفاء وكسرها ، و «لقيانة» بكسر الفاء خاصّة ، و «تلقاء».
وقرأ أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ : «وإذا لاقوا».
و «الّذين آمنوا» مفعول به ، و «قالوا» جواب «إذا» ، و «آمنّا» في محل نصب بالقول.
قال ابن الخطيب : «والمراد بقولهم : «آمنا» : أخلصنا بالقلب ؛ لأن الإقرار باللسان كان معلوما منهم مما كانوا يحتاجون إلى بيانه ، إنما المشكوك فيه هو الإخلاص بالقلب ، وأيضا فيجب أن يحمل على نقيض ما كانوا يظهرونه لشياطينهم ، وإنما كانوا يظهرون لهم التّكذيب بالقلب».
__________________
(١) ينظر الرازي : ٢ / ٦١.