وقوله : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا) تقدّم نظيره ، والأكثر في «خلا» أن يتعدّى بالباء ، وقد يتعدّى ب «إلى» ، وإنما تعدّى في هذه الآية ب «إلى» لمعنى بديع ، وهو أنه إذا تعدّى بالباء احتمل معنيين :
أحدهما : الانفراد.
والثاني : السّخرية والاستهزاء ، تقول : «خلوت به» أي : سخرت منه ، وهو من قولك : خلا فلان بعرض فلان أي : يعبث به.
وإذا تعدّى ب «إلى» كان نصّا في الانفراد فقط ، أو تقول : ضمن «خلا» معنى «صرف» فتعدّى «إلى» ، والمعنى : صرفوا خلاهم إلى شياطينهم ، أو تضمّن معنى «ذهبوا وانصرفوا» ومنه : «القرون الخالية».
وقيل : «إلى» ـ هنا ـ بمعنى «مع» ، كقوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢].
وقيل : هي هنا بمعنى «الباء» ، وهذان القولان إنما يجوزان عند الكوفيين ، وأما البصريون فلا يجيزون التجوّز في الحروف ؛ لضعفها.
وقيل المعنى : وإذا خلوا رجعوا إلى شياطينهم. ف «إلى» على بابها.
والأصل في خلوا : خلووا ، فقلبت «الواو» الأولى التي هي «لام» الكلمة «ألفا» لتحركها ، وانفتاح ما قبلها ، فبقيت ساكنة وبعدها «واو» الضمير ساكنة ، فالتقى ساكنان ، فحذف أولهما ، وهو «الألف» ، وبقيت الفتحة دالة عليها.
و «شياطينهم» : جمع شيطان ، جمع تكسير ، وقد تقدّم القول في اشتقاقه ، فوزن شياطين : إما «فعاليل» أو «فعالين» على حسب القولين المتقدّمين في الاستعاذة ، والفصيح في شياطين وبابه أن يعرب بالحركات ؛ لأنه جمع تكسير ، وفي لغة رديئة ، وهي إجراؤه إجراء الجمع المذكر السالم ، سمع منهم : «لفلان البستان حوله البستانون».
وقرىء شاذّا : «وما تنزّلت به الشّياطون» [الشعراء : ٢١٠].
وشياطينهم : رؤساؤهم وكهنتهم.
قال ابن عباس : وهم خمسة نفر من اليهود : كعب بن الأشرف ب «المدينة» ، وأبو بردة ب «الشام» في بني أسلم ، وعبد الدار في «جهينة» ، وعوف بن عامر في بني أسد ، وعبد الله بن السوداء ب «الشام» ولا يكون كاهن إلا ومعه شيطان تابع له (١).
وقال مجاهد : شياطينهم : أصحابهم من المنافقين والمشركين (٢).
__________________
(١) أخرجه الواحدي في «الوسيط» (١ / ٩٠).
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٧٠) وعزاه لابن جرير وعبد بن حميد عن مجاهد.
وهو عند الطبري في «تفسيره» (١ / ٢٩٨).