الأوّل : قول يونس ، والأخفش.
والثاني : قول الخليل وسيبويه ، وتظهر فائدة ذلك إذا سمّي به
فعلى الأول تقول : «جاءني معا» و «رأءت معا» و «مررت بمعا».
وعلى الثاني : «جاءني مع» و «رأيت معا» و «مررت بمع» ك «يد» ، ولا دليل على القول الأوّل في قوله : «وشعبا كما معا» ؛ لأن معا منصوب على الظّرف النائب عن الخبر ، نحو : «زيد عندك» وفيها كلام كثير.
فصل في نظم الآية
لم كانت مخاطبتهم للمؤمنين بالجملة الفعلية ومخاطبة شياطينهم بالجملة الاسمية محققة ب «إن»؟
قال ابن الخطيب : الجواب : ليس ما خاطبوا به المؤمنين جديرا بأقوى الكلامين ؛ لأنهم كانوا في ادعاء حدوث الإيمان منهم ، لا في ادعاء أنهم في الدّرجة الكاملة منه ، إما لأن أنفسهم لا تساعدهم على المبالغة ، لأن القول الصادر عن النّفاق والكراهة قلّما يحصل معه المبالغة ، وإما لعلمهم بأن ادّعاء الكمال في الإيمان لا يروج على المسلمين ، وأما كلامهم مع إخوانهم ، فكانوا يقولونه عن الاعتقاد ، ويعلمون أنّ المستمعين يقبلون ذلك منهم ، فلا جرم كان التأكيد لائقا به. واختلفوا في قائل هذا القول أهم كلّ المنافقين ، أو بعضهم؟
فمن حمل الشّياطين على كبار المنافقين ، فحمل هذا القول على أنه من صغارهم ، فكانوا يقولون للمؤمنين : «آمنا» ، وإذا عادوا إلى أكابرهم قالوا : «إنا معكم» ، ومن قال : المراد بالشّياطين الكفار لم يمنع إضافة هذا القول إلى كلّ المنافقين.
وقوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) كقوله : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة : ١١] ، وهذه الجملة الظاهر أنها لا محلّ لها من الإعراب لاستئنافها ؛ إذ هي جواب لرؤسائهم ، كأنهم لما قالوا لهم : «إنّا معكم» توجّه عليهم سؤال منهم ، وهو : فما بالكم مع المؤمنين تظاهرونهم على دينهم ، فأجابوهم بهذه الجملة.
وقيل : محلّها النصب ، لأنها بدل من قوله : (إِنَّا مَعَكُمْ).
وقياس تخفيف همزة «مستهزؤون» ونحوه أن تجعل بين بين ، أي بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها وهو «الواو» ، وهو رأي سيبويه ، ومذهب الأخفش قلبها «ياء» محضة.
وقد وقف حمزة على (مُسْتَهْزِؤُنَ) و (فَمالِؤُنَ) [الصافات : ٦٦] و (لِيُطْفِؤُا) [الصف : ٨] و (لِيُواطِؤُا) [التوبة : ٣٧] و (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) [يونس : ٥٣] و (الْخاطِئِينَ) [يوسف : ٥٧] و (الْخاطِؤُنَ) [الحاقة : ٣٧] ، و (مُتَّكِئِينَ) [الكهف : ٣١] و (مُتَّكِؤُنَ)