ورابعها : قال الجبّائي : ويمدهم أي يمد عمرهم ، ثم إنهم مع ذلك في طغيانهم يعمهون ، وهذا ضعيف من وجهين :
الأول : ما بيّنا أنه لا يجوز في اللّغة تفسير «ويمدهم» بالمدّ في العمر.
الثاني : هب أنه يصحّ ذلك ، ولكنه يفيد أنه ـ تعالى ـ يمد عمرهم بغرض أن يكونوا في طغيانهم يعمهون ، وذلك يفيد الإشكال.
أجاب القاضي عن ذلك بأنه ليس المراد أنه ـ تعالى ـ يمدّ عمرهم بغرض أن يكونوا في الطغيان ، بل المراد أنه ـ تعالى ـ يبقيهم ، ويلطف بهم في الطّاعة ، فيأبون إلّا أن يعمهوا.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)(١٦)
«أولئك» : رفع بالابتداء و «الذين» وصلته خبره.
وقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) هذه الجملة عطف على الجملة الواقعة صلة ، وهي: «اشتروا».
وزعم بعضهم أنها خبر المبتدأ ، وأنّ الفاء دخلت في الخبر لما تضّمنه الموصول من معنى الشّرط ، فيصير نظير قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) [البقرة : ٢٧٤] ، ثم قال : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ). وهذا وهم ؛ لأن «الذين» ليس مبتدأ حتى يدّعي دخول الفاء في خبره ، بل هو خبر عن «أولئك» كما تقدّم. فإن قيل : يكون الموصول مبتدأ ثانيا ، فتكون الفاء دخلت في خبره.
قلنا : يلزم من ذلك عدم الربط بين المبتدأ والجملة الواقعة خبرا عنه ، وأيضا فإنّ الصّلة ماضية معنى.
فإن قيل : يكون «الّذين» بدلا من «أولئك» فالجواب يصير الموصول مخصوصا لإبداله من مخصوص ، والصّلة أيضا ماضية.
فإن قيل : يكون «الذين» صفة ل «أولئك» ، ويصير نظير قولك : «الرجل الذي يأتيني فله درهم».
قلنا : يرد بما رد به السؤال الثّاني ، وبأنه لا يجوز أن يكون وصفا له ؛ لأنه أعرف منه ، ففسد هذا القول.
والمشهور ضمّ واو «اشتروا» لالتقاء الساكنين ، وإنما ضمت تشبيها بتاء الفاعل.
وقيل : للفرق بين واو الجمع والواو الأصلية نحو : (لَوِ اسْتَطَعْنا) [التوبة : ٤٢].
وقيل : لأن الضمة ـ هنا ـ أخفّ من الكسرة ؛ لأنّها من جنس الواو.