والذي غرّ هؤلاء قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] قالوا : «فهي هنا منفية» ، وخبرها مثبت في المعنى ؛ لأن الذبح وقع لقوله : «فذبحوها» ، والجواب عن هذه الآية من وجهين :
أحدهما : أنه يحمل على اختلاف وقتين ، أي : ذبحوها في وقت ، وما كادوا يفعلون في وقت آخر.
والثاني : أنه عبّر بنفي مقاربة الفعل عن شدّة تعنّتهم ، وعسرهم في الفعل.
وأما ما حكوه عن ذي الرّمّة ، فقد غلّط الجمهور ذا الرمّة في رجوعه عن قوله الأوّل ، وقالوا : «هو أبلغ وأحسن مما [غيّره إليه](١)».
واعلم أن خبر «كاد» وأخواتها ـ غير «عسى» ـ لا يكون فاعله إلّا ضميرا عائدا على اسمها ؛ لأنها للمقاربة أو للشّروع ، بخلاف «عسى» ، فإنها للترجّي ؛ تقول : «عسى زيد أن يقوم أبوه» ، ولا يجوز ذلك في غيرها ، فأما قوله : [الطويل]
٢٦١ ـ وقفت على ربع لميّة ناقتي |
|
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه |
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه |
|
تكلّمني أحجاره وملاعبه (٢) |
فأتى بالفاعل ظاهرا ، فقد حمله بعضهم على الشّذوذ ، وينبغي أن يقال : إنما جاز ذلك ؛ لأن الأحجار والملاعب هي عبارة عن الرّبع ، فهي هو ، فكأنه قيل : حتّى كاد يكلّمني ؛ ولكنه عبّر [عنه](٣) بمجموع أجزائه.
وأما قول الآخر : [البسيط]
٢٦٢ ـ وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني |
|
ثوبي فأنهض نهض الشّارب السّكر |
وكنت أمشي على رجلين معتدلا |
|
فصرت أمشي على أخرى من الشّجر (٤) |
__________________
(١) في أ : عبر به.
(٢) البيتان لذي الرمة ينظر ديوانه : ص ٨٢١ ، والكتاب : ٤ / ٥٩ ، ولسان العرب (سقى) ، (شكا) ، والمقاصد النحوية : ٢ / ١٧٦ ، وشرح أبيات سيبويه : ٢ / ٣٦٤ ، وشرح التصريح : ١ / ٢٠٤ ، والدرر : ٢ / ١٥٥ ، وشرح شافية ابن الحاجب : ١ / ٩١ ، ٩٢ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ٥٨٣ ، وشرح شواهد الشافية : ص ٤١ ، وأدب الكاتب : ص ٤٦٢ ، والممتع في التصريف : ص ١٨٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك : ١ / ٣٠٧ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٣٠ ، والصاحبي في فقه اللغة : ص ٢٢٦ ، وهمع الهوامع : ١ / ١٣١ ، والدر المصون : ١ / ١٤٠.
(٣) سقط في أ.
(٤) البيتان لعمرو بن أحمر ينظر ملحق ديوانه : ص ٧٢ ، خزانة الأدب : ٩ / ٣٥٩ ، ٣٦٢ ، ولأبي حية النمري في الحيوان : ٦ / ٤٨٣ ، شرح التصريح : ١ / ٢٠٤ ، شرح شواهد الإيضاح : ص ٧٤ والمقاصد النحوية : ٢ / ١٧٣ ، ولابن أحمر أو لأبي حية النمري في الدرر : ٢ / ١٣٣ ، ولأبي حية أو للحكم بن عبدل في شرح شواهد المغني : ٢ / ٩١١ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك : ١ / ٣٠٥ ، شرح الأشموني : ـ