وقيل : لذهب بما استفادوا من العزّ (١) والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر.
وقرأ ابن عامر وحمزة (٢) «شاء» و «جاء» حيث كان بالإمالة.
قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
هذه جملة مؤكّدة لمعنى ما قبلها ، و «كلّ شيء» متعلّق ب «قدير» وهو «فعيل» بمعنى «فاعل» ، مشتق من القدرة ، وهي القوة والاستطاعة ، وفعلها «قدر» بفتح العين ، وله ثلاثة عشر مصدرا : «قدرة» بتثليث القاف ، و «مقدرة» بتثليث الدال ، و «قدرا» ، و «قدرا» ، و «قدرا» ، و «قدارا» ، و «قدرانا» ، و «مقدرا» ، و «مقدرا» و «قدير» أبلغ من «قادر» ، قاله الزّجاج.
وقيل : هما بمعنى واحد ؛ قاله الهرويّ (٣).
والشيء : ما صحّ أن يعلم من وجه ويخبر عنه ، وهو في الأصل مصدر «شاء يشاء» ، وهل يطلق على المعدوم والمستحيل؟ خلاف مشهور.
فصل في بيان هل المعدوم شيء؟
استدلّ بعضهم بهذه الآية على أن المعدوم شيء ، قال : «لأنه ـ تعالى ـ أثبت القدرة على الشيء ، والموجود لا قدرة عليه ؛ لاستحالة إيجاد الموجود ، فالذي عليه القدرة معدوم وهو شيء ، فالمعدوم شيء».
والجواب : لو صحّ هذا الكلام لزم أنّ ما لا يقدر الله عليه ألا يكون شيئا ، فالموجود إذا لم يقدر الله عليه وجب ألا يكون شيئا.
فصل في بيان وصف الله تعالى بالشيء
قال ابن الخطيب : احتج جهم بهذه الآية على أنه ـ تعالى ـ ليس بشيء. لأنه ـ تعالى ـ ليس بمقدور له ، فوجب ألّا يكون شيئا ، واحتج أيضا بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١].
قال : «لو كان الله ـ تعالى ـ شيئا ، لكان ـ تعالى ـ مثل نفسه ، فكان قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) كذب ، فوجب ألا يكون شيئا ؛ حتى لا تتناقض هذه الآية».
__________________
(١) في أ : الغي.
(٢) وكذلك أمال ابن ذكوان وخلف ، والداجوني عن هشام.
انظر إتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٨١.
(٣) أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الباشاني أبو عبيد الهروي باحث من أهل هراة (في خراسان) له كتاب الغريبين ، غريب القرآن وغريب الحديث ، و «ولاة هراة». ينظر الأعلام : ١ / ٢١٠ (١١٢٠) ، وفيات الأعيان : ١ / ٢٨ ، بغية الوعاة : ١٦١.