قال ابن الخطيب (١) : وهذا الخلاف في الاسم ؛ لأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم ، قال: واحتج أصحابنا بقوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ) [الأنعام : ١٩].
وبقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] والمستثنى داخل في المستثنى منه ، فوجب أن يكون شيئا.
فصل في أن مقدور العبد مقدور لله تعالى
قال ابن الخطيب (٢) : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى ، خلافا لأبي هاشم وأبي عليّ.
وجه الاستدلال : أن مقدور العبد شيء ، وكلّ شيء مقدور لله ـ تعالى ـ بهذه الآية ، فيلزم أن يكون مقدور العبد مقدورا لله تعالى.
فصل في جواز تخصيص العام
تخصيص العام جائز في الجملة (٣) ، وأيضا تخصيص العام بدليل
__________________
(١) ينظر الرازي : ٢ / ٧٤.
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) والعام من حيث هو عام يقبل التخصيص ، فإن العلماء إلّا شذوذا منهم متفقون على هذا ، وهو مقطوع به في الشريعة المطهرة ، حتى قيل : ليس في القرآن عام غير مخصص ، إلا في ستة مواضع فقط ، وخلاف العلماء في جواز تأخير المخصص عن العام وعدمه : فالحنفية يوجبون كونه مقارنا ، وغيرهم يجيزون تأخيره ، وهو ينبني على الخلاف في قطعية العام ؛ فالحنفية لما قالوا بقطعية العام والتخصيص يصيره ظنيا ، فهو مغيّر له من القطع الى الظن ، فيكون بيان تغيير ، وهو لا يجوز تأخيره ، وعند غيرهم : العام لكونه ظنيّا لا يغيّره المخصص ، بل يقرر الاحتمال الذي كان فيه من قبل ، فيكون حينئذ بيان تقرير فيجوز تأخيره ، ثم التخصيص الذي قلنا : إنه يلحق العام ، وهو عبارة عن قصر العام على بعض متناولاته ، بمعنى : إخراج بعض ما كان داخلا تحت العام ، على تقدير عدم المخصص ، وهو بعد أن يلحقه التخصيص يبقى حجة ، فيما عدا المخرج ؛ كما كان ـ مثل ما روي أن فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ احتجّت على أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في ميراث أبيها ، بعموم آية الوصية مع أن القاتل والكافر خصا منها ، ولم ينكر أحد من الصحابة احتجاجها ، بل عدل أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ في حرمانها إلى الاحتجاج بقوله ـ عليهالسلام ـ «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ولا نورث». والعام في نظر أهل الأصول هو : عرفه أبو الحسين البصريّ في «المعتمد» بقوله : «هو اللّفظ المستغرق لما يصلح له».
وزاد الإمام الرّازي على هذا التّعريف في «المحصول» : «... بوضع واحد» وعليه جرى البيضاويّ في «منهاجه».
وعرّفه إمام الحرمين الجوينيّ في «الورقات» بقوله : «العامّ ما عمّ شيئين فصاعدا».
وإلى ذلك أيضا ذهب الإمام الغزاليّ ؛ حيث عرّفه بأنّه : اللّفظ الواحد الدّالّ من جهة واحدة على شيئين فصاعدا ... ـ