العقل (١) ، فإن قيل : إذا كان اللّفظ موضوعا للكل ، ثم تبين أن الكل غير مراد كان كذبا ، وذلك يوجب الطّعن في كلّ القرآن.
والجواب : أن لفظ «الكلّ» كما أنه يستعمل في المجموع ، فقد يستعمل مجازا في الأكثر ، وإذا كان ذلك مجازا مشهورا في اللّغة لم يكن استعمال اللفظ فيه كذبا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢٢)
اعلم أنه ـ تعالى ـ لما بين أحكام الفرق الثلاثة ـ أعني المؤمنين والكفار والمنافقين ـ أقبل عليهم بالخطاب وهو من باب «الالتفات».
__________________
ـ ويرى «سيف الدّين الآمديّ» : أنّ العامّ هو اللّفظ الواحد الدّالّ على قسمين فصاعدا مطلقا معا.
واختار ابن الحاجب أنّ العامّ ما دلّ على مسمّيات ؛ باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقا.
ويرى أبو بكر الجصّاص من الحنفيّة أنّ العامّ ما ينتظم جمعا من الأسماء أو المعاني.
وعرفه الإمام فخر الدّين البزدوي بأنّه : «كلّ لفظ ينتظم جمعا من الأسماء لفظا أو معنى».
ويرى الإمام النّسفيّ : أنه ما يتناول أفرادا متّفقة الحدود على سبيل الشّمول.
ينظر البرهان لإمام الحرمين : ١ / ٣١٨ ، البحر المحيط للزركشي : ٣ / ٥ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ٢ / ١٨٥ ، سلاسل الذهب للزركشي : ص ٢١٩ ، التمهيد للإسنوي : ص ٢٩٧ ، نهاية السول له : ٢ / ٣١٢ ، زوائد الأصول له : ص ٢٤٨ ، منهاج العقول للبدخشي : ٢ / ٧٥ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري : ص ٦٩ ، التحصيل من المحصول للأرموي : ١ / ٣٤٣ ، المنخول للغزالي : ص ١٣٨ ، المستصفى له : ٢ / ٣٢ ، حاشية البناني : ١ / ٣٩٢ ، الإبهاج لابن السبكي : ٢ / ٨٢ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي : ٢ / ٢٥٤ ، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني : ص ٣٢٦ ، حاشية العطار على جمع الجوامع : ١ / ٥٠٥ ، المعتمد لأبي الحسين : ١ / ١٨٩ ، إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي : ص ٢٣٠ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : ٣ / ٣٧٩ ، التحرير لابن الهمام : ص ٦٤ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه : ١ / ١٩١ ، ميزان الأصول للسمرقندي : ١ / ٣٨٥ ، كشف الأسرار للنسفي : ١ / ١٥٩ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى : ٢ / ١٠١ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني : ١ / ٣٨ ، حاشية نسمات الأسحار لابن عابدين : ص ٦٨ ، شرح المنار لابن ملك : ص ٤٥ ، الوجيز للكراماستي : ص ١١ ، الموافقات للشاطبي : ٣ / ٢٦٠ ، تقريب الوصول لابن جزيّ : ص ٧ ، إرشاد الفحول للشوكاني : ص ١١٢ ، شرح مختصر المنار للكوراني : ص ٤٥ ، نشر البنود للشنقيطي : ١ / ٢٢ ، فواتح الرحموت لابن نظام الدين الأنصاري : ١ / ٢٥٥ ، شرح الكوكب المنير للفتوحي : ص ٣٤٣.
(١) كما يعلم بضرورته تخصيص الله ـ تعالى ـ عن قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ، ونظيره : تخصيص الصبيّ والمجنون عن خطاب التكليف ؛ لعدم فهمهما إياه. ومنهم من منع ذلك ، وهو باطل ، إذ العقل لمّا عارض العموم ، امتنع إعمالهما وتركهما وإعمال النقل فقط ؛ إذ ترجيحه على العقل الذي هو أصله يقدح فيهما ، فتعيّن إعمال العقل فقط ، فإن أراد بالمخصّص المؤثر في التخصيص ، لم يكن العقل مخصّصا ، ولا الكتاب ، ولا السنّة أيضا ؛ إذ الإرادة هي المؤثّرة في التخصيص. ينظر التحصيل : ١ / ٣٨٦.