و (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) جملة أمرية لا محلّ لها ؛ لأنها ابتدائية.
(الَّذِي خَلَقَكُمْ) فيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : نصبه على النّعت ل «ربكم».
الثّاني : نصبه على القطع.
الثالث : رفعه على القطع أيضا. وقد تقدّم معناه.
فصل في تقسيم ورود النداء في القرآن الكريم
قال ابن عبّاس رضي الله عنه : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب لأهل «مكة» ، و «يا أيّها الّذين آمنوا» لأهل «المدينة» (١) ، ورد على قوله هذه الآية بأن البقرة مدنية.
وقال غيره : كلّ ما كان في القرآن من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهو مدني.
وأما قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فمنه مكّي ، ومنه [مدني](٢) وهذا خطاب عام ؛ لأنه لفظ جمع معرف ، فيفيد العموم ، لكنه مخصوص في حقّ ما لا يفهم ، كالصّبي ، والمجنون ، والغافل ، ومن لا يقدر ، لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦].
ومنهم من قال : إنه مخصوص في حق العبيد ، لأنّ الله ـ تعالى ـ أوجب عليهم طاعة مواليهم ، واشتغالهم بطاعة المولى كمنعهم عن الاشتغال بالعبادات ، والأمر الدّال على وجوب طاعة المولى أخصّ من الأمر الدّال على وجوب العبادة ، والخاصّ مقدّم على العام ، والكلام على هذا مذكور في أصول الفقه.
قال ابن الخطيب : قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يتناول جميع الناس الموجودين في ذلك العصر ، فهل يتناول الّذين سيوجدون بعد ذلك أم لا؟
قال : «والأقرب أنه لا يتناولهم ؛ لأن قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خطاب مشافهة ، وخطاب المشافهة مع المعدوم لا يجوز» ، وأيضا فالذين سيوجدون ما كانوا موجودين في تلك الحالة ، وما لا يكون موجودا لا يكون إنسانا ، فلا يدخل تحت قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ).
فإن قيل : فوجب أن يتناول أحدا من الّذين وجدوا بعد ذلك الزمان ، وإنه باطل قطعا.
قلنا : لو لم يوجد دليل منفصل لكان الأمر كذلك ، إلّا أنا عرفنا بالتّواتر من دين
__________________
(١) ذكر هذا الأثر السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٧٣) عن ابن مسعود وعزاه للبزار والحاكم وابن مردويه.
وعزاه أيضا لأبي عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن الضريس وابن المنذر وأبي الشيخ في «التفسير» عن علقمة.
(٢) سقط في أ.