وثانيها : أنه ـ سبحانه ـ خلق الأنبياء المكرمين من الأرض على ما قال : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ) [طه : ٥٥] ولم يخلق من السماء شيئا ، لأنه قال : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) [الأنبياء : ٣٢].
وثالثها : أن الله ـ تعالى ـ أكرم نبيّه ، فجعل الأرض كلها مسجدا ، وجعل ترابها طهورا.
فصل في فضل السّماء
وهو من وجوه :
الأول : أن الله ـ تعالى ـ زيّنها بسعبة أشياء : بالمصابيح (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [الملك : ٥].
وبالقمر (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) [نوح : ١٦] وبالشمس : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [نوح : ١٦].
وبالعرش ، وبالكرسي ، وباللوح المحفوظ ، وبالقلم ، فهذه السّبعة ثلاثة منها ظاهرة ، وأربعة مثبتة (١) بالدلائل السّمعية (٢).
الثاني : أنه ـ تعالى ـ سمّاها بأسماء تدلّ على عظم شأنها سماء ، وسقفا محفوظا ، وسبعا طباقا ، وسبعا شدادا ، ثم ذكر عاقبة أمرها فقال : (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) [المرسلات : ٩] ، (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) [التكوير : ١١] ، (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] ، (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [الأنبياء : ١٠٤] ، (تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) [المعارج : ٨] ، (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) [الطور : ٩]. (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) [الرحمن : ٣٧].
وذكر مبدأها فقال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١] وقال : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) [الأنبياء : ٣٠] فهذا الاستقصاء والتشديد في كيفية حدوثها وفنائها يدلّ على أنه ـ سبحانه وتعالى ـ خلقها لحكمة بالغة على ما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) [ص : ٢٧].
الثّالث : أنه ـ تعالى ـ جعل السّماء قبلة الدعاء ، فالأيدي ترفع إليها ، والوجوه تتوجّه نحوها ، وهي منزل الأنوار ، ومحل الضياء والصّفاء ، والطهارة ، والعصمة من الخلل والفساد.
والبناء : مصدر «بنيت» ، وإنما قلبت «الياء» همزة لتطرّفها بعد ألف زائدة ، وقد يراد به المفعول ، و «أنزل» عطف على «جعل» و «من السماء» متعلّق به ، وهي لابتداء الغاية،
__________________
(١) في أ : مبينة.
(٢) في أ : السبعة.