ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أن تكون حالا من «ما» ؛ لأن صفة النكرة إذا قدمت عليها نصبت حالا ، وحينئذ معناها التبعيض ، وثمّ مضاف محذوف أي : من مياه السماء ماء.
وأصل «ماء» موه بدليل قولهم : «ماهت الرّكيّة تموه» وفي جمعه مياه وأمواه ، وفي تصغيره : مويه ، فتحركت «الياء» وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا ، فاجتمع حرفان خفيفان : «الألف» و «الهاء» ، فأبدلوا من «الهاء» أختها وهي الهمزة ؛ لأنها أجلد منها.
فإن قيل : كيف قال : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) [البقرة : ٢٢] وإنما ينزل من السّحاب؟ فالجواب أن يقال : ينزل من السّماء إلى السحاب ، ومن السحاب إلى الأرض.
فصل في أوجه ورود لفظ الماء
قال أبو العباس المقري : ورد لفظ الماء في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأوّل : بمعنى الماء المطلق كهذه الآية.
الثاني : بمعنى النّطفة. قال تعالى : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦].
وقوله : (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [السجدة : ٨].
الثالث : بمعنى القرآن. قال تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) [الرعد : ١٧] بمعنى القرآن ، احتمله الناس على قدر.
قوله : «فأخرج» عطف على «أنزل» مرتب عليه ، و «به» متعلق به ، و «الباء» فيه للسببية ، و «من الثمرات» متعلّق به أيضا ، و «من» هنا للتبعيض ، كأنه قصد بتنكير (١) الماء والرزق معنى البعضيّة ، كأنه قيل : وأنزل من السماء بعض الماء ، فأخرج به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم ؛ إذ ليس جميع رزقهم هو بعض الثمرات ، إنما ذكر بعض رزقهم.
وأبعد من جعلها زائدة لوجهين :
أحدهما : زيادتها في الواجب ، وكون المجرور بها معرفة ، وهذا لا يقول به بصريّ ولا كوفيّ إلّا أبا الحسن الأخفش (٢).
والثاني : أن يكون جميع الثمرات رزقا لنا. وهذا يخالف الواقع ؛ إذ كثير من الثمرات ليس رزقا لنا. وجعلها الزمخشري لبيان الجنس ، وفيه نظر ؛ إذ لم يتقدم ما يبين هذا ، وكأنه يعني أنه بيان ل «رزقا» من حيث المعنى.
و «رزقا» ظاهره أنه مفعول به ناصبه «أخرج» ، ويجوز أن يكون «من الثمرات» في موضع المفعول به ، والتقدير : فأخرج ببعض الماء بعض الثمرات ، وفي «رزقا» حينئذ وجهان :
__________________
(١) في أ : تذكير.
(٢) ينظر معاني القرآن : ٩٨.