ومفعول العلم متروك ، لأن المعنى : وأنتم من أهل العلم ، أو حذف اختصارا أي : وأنتم تعلمون بطلان ذلك ، والاسم من «أنتم» قيل : «أن» و «التاء» حرف خطاب يتغير بحسب المخاطب ، وقيل : بل «التاء» هي الاسم ، و «أن» عماد قبلها.
وقيل : بل هو ضمير برمته وهو ضمير رفع منفصل وحكم ميمه بالنسبة إلى السكون والحركة والإشباع والاختلاس حكم «ميم» هم ، وقد تقدّم جميع ذلك. والمعنى : إنكم لكمال عقولكم تعلمون أن هذه الأشياء لا يصح جعلها أندادا لله ـ تعالى ـ فلا تقولوا ذلك ؛ فإن القول القبيح ممن علم قبحه يكون أقبح. وهذا الخطاب للكافرين ، والمنافقين ، قاله ابن عباس رضي الله عنه.
فإن قيل : كيف وصفهم بالعلم ، وقد نعتهم بالختم ، والطّبع ، والصّمم ، والعمى؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : وأنتم تعلمون العلم الخاص أن الله خلق ، وأنزل الماء ، وأنبت الرزق ، وهو المنعم عليهم دون الأنداد.
الثاني : وأنتم تعلمون وحدانيته بالفرد والإمكان لو تدبرتم ونظرتم ، وفي هذا دليل على استعمال حجج المعقول ، وإبطال التقليد. وقال ابن فورك (١) : يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين ، والمعنى : لا ترتدوا أيها المؤمنون ، وتجعلوا لله أندادا بعد علمكم بأن الله واحد.
فصل في فرق المشركين
قال ابن الخطيب (٢) : ليس في العالم أحد يثبت له شريكا يساويه في الوجود ، والقدرة ، والعلم ، والحكم ، هذا مما لم يوجد ، لكن الثنوية يثبتون إلهين ، أحدهما : حكيم يفعل الخير ، والثاني : سفيه يفعل الشر ؛ وأما اتخاذ معبود سوى الله ، فالذاهبون إلى ذلك فرق.
فمنهم عبدة الكواكب.
ومنهم الصّابئة فإنهم يقولون : إنّ الله ـ تعالى ـ خلق هذه الكواكب ، وهي مدبّرات لهذا العالم قالوا : فيجب علينا أن نعبد الكواكب ، والكواكب تعبد الله تعالى.
__________________
(١) محمد بن الحسين بن فورك ، أبو بكر الأصفهاني ، المتكلم ، الأصولي ، الأديب ، النحوي ، الواعظ ، أخذ طريقة أبي الحسن الأشعري عن أبي الحسين الباهلي وغيره ، أحيى الله تعالى به أنواعا من العلوم ، وبلغت مصنفاته الشيء الكثير ، وجرت له مناظرات عظيمة. مات سنة ٤٠٦. انظر ط. ابن قاضي شهبة : ١ / ١٩٠ ، ط. السبكي : ٣ / ٥٢ ، تبيين كذب المفتري : ص ٢٣٢. الأعلام : ٦ / ٣١٣ ، مرآة الجنان : ٣ / ١٧ ، النجوم الزاهرة : ٤ / ٢٤٠.
(٢) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ١٠٣.