يريد : فأتونا كقوله : فأتوا.
قال ابن كيسان : «وهو أمر معناه التعجيز ؛ لأنه ـ تعالى ـ علم عجزهم عنه».
و «بسورة» متعلّق بأتوا ، والسورة واحدة السّور ، وهي طائفة من القرآن.
وقيل : السّورة الدّرجة الرفيعة ، قال النابغة : [الطويل]
٢٩١ ـ ألم تر أنّ الله أعطاك سورة |
|
ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (١) |
وسميت سورة القرآن بذلك ؛ لأن قارئها يشرف بها وترفعه ، أو لرفعة شأنها ، وجلالة محلّها في الدّين ، وإن جعلت واوها منقلبة عن «الهمزة» ، فيكون اشتقاقها من «السّؤر» ، وهو البقية ، والفضلة ؛ ومنه : «أسأروا في الإناء» ؛ قال الأعشى : [المتقارب]
٢٩٢ ـ فبانت وقد أسأرت في الفؤا |
|
د صدعا على نأيها مستطيرا (٢) |
أي : أبقت ، ويدلّ على ذلك أن «تميما» وغيرها يهمزون فيقولون : سؤرة بالهمزة.
وسميت سورة القرآن بذلك ؛ لأنها قطعة منه ، وهي على هذا مخفّفة من «الهمز».
وقيل : اشتقاقها من سور البناء ؛ لأنها تحيط بقارئها ، وتحفظه كسور المدينة ، ولكنّ جمع سورة القرآن سور بفتح الواو ، وجمع سورة البناء سور بسكونها ، ففرقوا بينهما في الجمع.
فإن قيل : ما فائدة تقطيع القرآن سورا؟
قلنا : وجوه :
أحدها : ما لأجله بوب المصنّفون كتبهم أبوابا وفصولا.
وثانيها : أن الجنس إذا حصل تحته كان إفراد كل نوع من صاحبه أحسن.
وثالثها : أنّ القارىء إذا ختم سورة ، أو بابا من الكتاب ، ثم أخذ في آخر كان أنشط له ، كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا نشطه للمسير.
فصل في بيان أن ترتيب القرآن توقيفي
قال ابن الخطيب (٣) : قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) يدلّ على أن القرآن وما هو عليه من كونه سورا هو على حدّ ما أنزله الله ـ تعالى ـ بخلاف قول كثير من أهل الحديث ، أنه نظم على هذا الترتيب في أيام عثمان ، فلذلك صحّ التحدّي بالقرآن على وجوه :
__________________
(١) ينظر ديوانه : (١٢٨) ، روح المعاني : (١ / ٣٤) ، الدر المصون : (١ / ١٥٣) ، البحر المحيط : ١ / ٢٤٢ ، والمصون : (١٥٤).
(٢) ينظر ديوانه : (٣١٧) ، الدر المصون : (١ / ١٥٣).
(٣) ينظر الرازي : ٢ / ١٠٨.