قال تميم للحجّاج : أقبرنا صالحا ـ وكان قد صلبه ـ فقال : دونكموه.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) هذا شرط حذف جوابه للدلالة عليه تقديره : إن كنتم صادقين فافعلوا ، ومتعلّق الصدق محذوف ، والظاهر تقديره هكذا : إن كنتم صادقين في كونكم في ريب من المنزل على عبدنا أنه من عندنا.
وقيل : فيما تقدرون عليه من المعارضة ، وقد صرّح بذلك عنهم في آية أخرى ، حيث قال تعالى حاكيا عنهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال : ٣١] والصدق ضد الكذب وقد تقدم ، والصّديق مشتقّ منه لصدقه في الودّ والنّصح ، والصّدق من الرماح : الصّلبة.
فصل في التهكم بالكافرين
قال ابن الخطيب : «وفي أمرهم بأن يستظهروا بالجماد الذي ينطق في معارضة القرآن المعجز بالفصاحة غاية التهكم بهم».
فصل في الاحتجاج على الجبرية
قال القاضي : هذا التحدّي يبطل القول بالجبر من وجوه :
أحدها : أنه مبني على تعذّر مثله ممن يصح الفعل منه ، فمن ينفي كون العبد فاعلا لم يمكنه إثبات التحدّي أصلا ، وفي هذا إبطال الاستدلال بالمعجز.
وثانيها : أن تعذّره على قولهم يكون لفقد القدرة الموجودة ، ويستوي في ذلك ما كان معجزا ، وما لا يكون ، فلا يصح معنى التحدي على قولهم.
وثالثها : أن ما يضاف إلى العبد فالله ـ تعالى ـ هو الخالق له ، فتحديه يعود في التحقيق (١) إلى أنه متحدّ لنفسه ، وهو قادر على مثله من غير شك فيجب ألا يثبت الإعجاز على هذا القول.
ورابعها : أنّ المعجز إنما يدلّ بما فيه من بعض العادة ، فإذا كان من قولهم : إن المعتاد أيضا ليس بفعل لم يثبت هذا الفرق ، فلا يصحّ الاستدلال بالمعجز.
وخامسها : أنّ الرسول صلىاللهعليهوسلم يحتج بأنه ـ تعالى ـ إنما خصّه بذلك ، تصديقا له فيما ادّعاه ، ولو لم يكن ذلك من قبله ـ تعالى ـ لم يكن داخلا في الإعجاز ، وعلى قولهم بالجبر لا يصح هذا الفرق ؛ لأن المعتاد وغير المعتاد لا يكون إلّا من قبله.
والجواب : أن المطلوب من التحدي أن يأتي الخصم بالمتحدّى به قصدا ، وأن يقع ذلك منه اتفاقا.
__________________
(١) في أ : التخليق.