و (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) جملة من مبتدأ وخبر ، صلة وعائد ، والألف واللام في «النار» للعهد.
فإن قيل : الصّلة مقررة ، فيجب أن تكون معلومة فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟
والجواب : لا يمتنع أن يتقدّم لهم بذلك الصّلة معهودة عند السامع بدليل قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠] وقوله : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [النجم : ١٦] وقوله : (فَغَشَّاها ما غَشَّى) [النجم : ٥٤] وقال : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) [طه : ٧٨] إلا أنه خلاف المشهور أو لتقدم ذكرها في سورة التحريم ـ وهي مدنية بالاتفاق ـ وقد غلط الزمخشري في ذلك.
والمشهور فتح واو الوقود ، وهو اسم ما يوقد به.
وقيل : هو مصدر كالولوع والقبول والوضوء والطّهور ، ولم يجىء مصدر على «فعول» غير هذه الألفاظ فيما حكاه سيبويه.
وزاد الكسائي : الوزوع. وقرىء (١) شاذّا في سورة «ق» (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) [ق : ٣٨] فتصير سبعة ، وهناك ذكرت هذه القراءة ، ولكن المشهور أن الوقود والوضوء والطّهور بالفتح اسم ، وبالضم مصدر.
وقرأ (٢) عيسى بن عمر بفتحها وهو مصدر.
وقال ابن عطية : وقد حكيا جميعا في الحطب ، وقد حكيا في المصدر. انتهى.
فإن أريد اسم ما يوقد به فلا حاجة إلى تأويل ، وإن أريد بهما المصدر فلا بد من تأويل ، وهو إما المبالغة أي : جعلوا نفس التوقد مبالغة في وضعهم بالعذاب ، وإمّا حذف مضاف ، إمّا من الأول أي أصحاب توقدها ، وإمّا من الثاني أي : يوقدها إحراق الناس ، ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه. والهاء في «الحجارة» لتأنيث الجمع.
فصل في تثنية «الّتي» وجمعه
وفي تثنية «الّتي» ثلاث لغات :
«اللّتان» ، و «اللّتا» بحذف النون ، و «اللّتانّ» بتشديد النون ، وفي جمعها خمس
__________________
(١) ستأتي في سورة ق آية (٣٨).
(٢) قرأ بها مجاهد ، وطلحة ، وأبو حيوة ، وعيسى بن عمر الهمداني ، واختلف عن الحسن.
انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٠٧ ، وقال ابن عطية : قال ابن جني : من قرأ بضمّ الواو ، فهو على حذف مضاف ، تقديره : ذو وقودها ؛ لأن الوقود بالضمّ مصدر ، وليس بالناس ، وقد جاء عنهم : الوقود بالفتح في المصدر ؛ ومثله ولعت به «ولوعا» بفتح الواو ، وكله شاذّ ، والباب هو الضم. ا ه.
ينظر البحر المحيط : ١ / ٢٤٩ ، والدر المصون : ١ / ١٥٥ ، والقرطبي : ١ / ١٦٤