لها ؛ لكونها مستأنفة جوابا لمن قال : لمن أعدت (١)؟
وقال أبو البقاء : محلها النصب على الحال من «النار» ، والعامل فيها «اتقوا».
قيل : وفيه نظر ، فإنها معدة للكافرين اتقوا أم لم يتقوا ، فتكون حالا لازمة ، لكن الأصل في الحال التي ليست للتوكيد أن تكون منتقلة ، فالأولى أن تكون استئنافا.
قال أبو البقاء (٢) : ولا يجوز أن تكون حالا من الضمير في «وقودها» لثلاثة أشياء :
أحدها : أنها مضاف إليها.
الثاني : أن الحطب لا يعمل يعني أنه اسم جامد.
الثالث : الفصل بين المصدر أو ما يعمل عمله ، وبين ما يعمل فيه الخبر وهو «الناس» ، يعني أن الوقود بالضم ، وإن كان مصدرا صالحا للعمل ، فلا يجوز ذلك أيضا ؛ لأنه عامل في الحال ، وقد فصلت بيه وبينها بأجنبي ، وهو «الناس» وقال السّجستاني : «أعدّت للكافرين» من صلة «التي» كقوله : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
قال ابن الأنباري : وهذا غلط ؛ لأن «التي» هنا وصلت بقوله : (وَقُودُهَا النَّاسُ) فلا يجوز أن توصل بصلة ثانية ، بخلاف التي في «آل عمران».
قلت : ويمكن ألا يكون غلطا ؛ لأنا لا نسلم أن (وَقُودُهَا النَّاسُ) ـ والحالة هذه ـ صلة ، بل إما معترضة ، لأن فيها تأكيدا وإما حالا ، وهذان الوجهان لا يمنعهما معنى ، ولا صناعة.
قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢٥)
اعلم : أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ لمّا تكلّم في التوحيد والنّبوّة ، تكلّم بعدهما في المعاد ، وبيّن عقاب (٣) الكافر ، وثواب المطيع ، ومن عادة الله ـ تعالى ـ أنه إذا ذكر الوعيد ، أن يعقبه بذكر الوعد.
وهاهنا فصول :
الأوّل : هذه الآيات صريحة في أنّ الجنّة والنّار مخلوقتان ؛ لأنه ـ تعالى ـ [قال](٤) في صفة النّار : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ، وقال في صفة الجنّة في آية أخرى : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٣] ، وقال هاهنا : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) ، وهذا إخبار عن وقوع هذا الملك وحصوله ، وحصول الملك في الحال يقتضي حصول
__________________
(١) في أ : أعددت.
(٢) ينظر الإملاء : ١ / ٢٥.
(٣) في أ : عذاب.
(٤) سقط في أ.