وإنّما قلنا : إنه بدل اشتمال ؛ لأنّه لا يتعلّق حرفان بمعنى واحد بعامل واحد ، إلّا على سبيل البدلية ، أو العطف.
وأجاز الزّمخشري أنّ «من» للبيان كقولك : «رأيت منك أسدا» ؛ وفيه نظر ؛ لأنّ من شرط ذلك أن يحلّ محلّها موصول ، وأن يكون ما قبلها محلّى ب «أل» الجنسية ، وأيضا فليس قبلها شيء يتبيّن بها ، وكونها بيانا لما بعدها بعيد جدا ، وهو غير المصطلح.
«رزقا» مفعول ثان ل «رزقوا» ، وهو بمعنى «مرزوق» ، وكونه مصدرا بعيد ؛ لقوله : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) ، والمصدر لا يؤتى به متشابها ، وإنما يؤتى بالمرزوق كذلك.
قوله : (قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ).
«قالوا» : هو العامل في «كلما» كما تقدّم ، و «هذا الّذي رزقنا» مبتدأ وخبر في محل نصب بالقول ، وعائد الموصول محذوف ؛ لاستكماله الشّروط ، أي : رزقناه.
و «من قبل» متعلّق به.
و «من» لابتداء الغاية ، ولمّا قطعت «قبل» بنيت [وإنما بنيت](١) على الضّمّة ؛ لأنها حركة لم تكن لها حال إعرابها.
واختلف في هذه الجملة ، فقيل : لا محلّ لها من الإعراب؟ لأنّها استئنافية ، فإنّه قيل : لما وصفت الجنّات ما حالها؟
فقيل : كلّما رزقوا قالوا.
وقيل : لها محلّ ، ثمّ اختلف فيه ، فقيل : رفع على أنّه خبر مبتدأ محذوف ، واختلف في ذلك المبتدأ ، فقيل : ضمير «الجنّات» ، أي : هي كلّما وقيل ضمير «الّذين آمنوا» أي : هم كلّما رزقوا قالوا ذلك.
وقيل : محلّها نصب على الحال ، وصاحبها : إمّا «الذين آمنوا» ، وإمّا «جنات» ، وجاز ذلك ، وإن كانت نكرة ؛ لأنها تخصصت بالصفة ، وعلى هذين تكون حالا مقدّرة ؛ لأنّ وقت البشارة بالجنّات لم يكونوا مرزوقين ذلك.
وقيل : محلّها نصب على أنّها صفة ل «جنات» أيضا.
فصل في المشبه به في الآية
الآية تدلّ على أنّهم شبّهوا رزقهم الذي يأتيهم في الجنّة برزقهم قبل ذلك ، فالمشبّه به أهو من أرزاق الدنيا ، أم من أرزاق الآخرة؟ ففيه وجهان :
__________________
(١) سقط في ب.