على بدايات الأعراض ، مثاله : أن الحياء حالة تحصل للإنسان ، ولكن لها مبدأ ومنتهى ، أمّا المبدأ فهو التغيّر الجسماني الذي يلحق الإنسان من خوف أن ينسب إليه القبيح ، وأمّا النهاية فهو أن يترك الإنسان ذلك الفعل ، فإذا ورد الحياء في حقّ الله تعالى ، فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمته ، بل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته ، وكذلك الغضب [له مقدّمة](١) وهو غليان دم القلب وشهوة الانتقام (٢) وله (٣) غاية ، وهي إنزال العقاب بالمغضوب عليه ، فإذا وصفنا الله ـ تعالى ـ بالغضب ، فليس المراد ذلك المبدأ ، يعني شهوة الانتقام ، وغليان دم القلب ، بل المراد تلك النّهاية ، وهي إنزال العقاب (٤) ، فهذا هو القانون الكلّي في هذا الباب».
فصل في تنزيه الخالق سبحانه
قال القاضي : ما لا يجوز على الله ـ تعالى ـ من هذا الجنس إثباتا ، فيجب ألّا يطلق على طريقة النفي عليه ، وإنّما يقال : إنّه ـ تعالى ـ لا يوصف به ، فأمّا أن يقال : «لا يستحي» ويطلق عليه فمحال ؛ لأنّه يوهم نفي ما يجوز عليه ، وما ذكره الله ـ تعالى ـ في كتابه من قوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة : ٢٥٥] ، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : ٣] فهو بصورة النفي ، وليس بنفي على الحقيقة ، وكذلك قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) [المؤمنون : ٩١] ، وكذلك قوله تعالى : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) [الأنعام : ١٤] وليس كل ما ورد في القرآن إطلاقه جائز أن يطلق في المخاطبة ، فلا يجوز أن يطلق ذلك إلّا مع بيان أنّ ذلك محال.
ولقائل أن يقول : لا شكّ أنّ هذه الصّفات منتفية عن الله تعالى ، فكان الإخبار عن انتفائها يدلّ على صحّتها عليه.
فنقول : هذه الدلالة ممنوعة ، وذلك أنّ تخصيص هذا النفي بالذكر ، لا يدلّ على ثبوته لغيره ، لو قرن اللّفظ بما يدلّ على انتفاء الصّحّة كان ذلك أحسن ، من حيث إنه يكون مبالغة في البيان ، وليس إذا كان غيره أحسن أن يكون ذلك قبيحا.
فصل في إعراب الآية
قوله : «لا يستحيي» جملة في محلّ الرفع خبرا ل «أن» ، واستفعل هنا للإغناء عن الثّلاثي المجرّد.
وقال الزمخشري : «إنّه موافق له أي : قد ورد «حيي» ، و «استحيى» بمعنى واحد ، والمشهور : استحيى يستحيي فهو مستحي ومستحيى منه من غير حذف».
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : الإقدام.
(٣) في ب : عليه.
(٤) في أ : العذاب.