ويقال : إنّ معنى : «ضربت له مثلا» مثّلت له مثلا ، وهذه الأبنية على ضرب واحد ، وعلى مثال [واحد](١) ونوع واحد.
والضرب : النوع ، والبعوضة : واحدة البعوض ، وهو معروف ، وهو في الأصل وصف على فعول كالقطوع ، مأخوذ من البعض ، وهو القطع ، وكذلك البضع والعضب ؛ قال : [الوافر]
٣٢٨ ـ لنعم البيت بيت أبي دثار |
|
إذا ما خاف بعض القوم بعضا (٢) |
وقال الجوهري : البعوض : البقّ ، الواحدة بعوضة ، سميت بذلك لصغرها.
فصل في استحسان ضرب الأمثال
اعلم أنّ ضرب الأمثال من الأمور المستحسنة في العقول ، وقد اشتهر العرب في التمثيل بأحقر الأشياء ، فقالوا في التمثيل بالذّرّة : «أجمع من ذرّة» ، و «أضبط من ذرّة» ، «وأخفى من ذرّة» ، وفي التمثيل بالذّباب : «أجرأ من الذّباب» ، «وأخطأ من الذّباب» ، «وأطيش من الذباب» ، و «أشبه من الذباب بالذباب» ، «وألخّ من الذّباب».
وفي التمثيل بالقراد : «أسمع من قراد» ، وأضعف من قرادة ، وأعلق من قرادة ، وأغم من قرادة ، وأدبّ من قرادة.
وقالوا في الجراد : أطير من جرادة ، وأحطم من جرادة ، وأفسد من جرادة ، وأصفى من لعاب الجرادة.
وفي الفراشة : «أضعف من فراشة» ، و «أجمل من فراشة» ، و «أطيش من فراشة».
وفي البعوضة : «كلفني مخّ البعوضة» ، مثل في تكليف ما لا يطاق. فقولهم : ضرب الأمثال لهذه الأشياء الحقيرة لا يليق بالله تعالى.
قلنا : هذا جهل ، لأنّه ـ تعالى ـ هو الذي خلق الكبير والصغير ، وحكمه في كلّ ما خلق وبرأ عام ؛ لأنّه قد أحكم جميعه ، وليس الصغير أخفّ عليه من العظيم ، ولا العظيم أصعب عليه من الصّغير ، وإذا كان الكلّ بمنزلة واحدة لم يكن الكبير أولى من أن يضربه مثلا لعباده من الصغير ، بل المعتبر فيه ما يليق بالقضيّة ، وإذا كان الأليق بها الذّباب والعنكبوت ، ضرب المثل بهما ، لا بالفيل والجمل ، فإذا أراد أن يقبّح عبادتهم للأصنام ، ويقبّح عدولهم عن عبادة الرحمن ، صلح أن يضرب المثل بالذّباب ، ليبيّن أن قدر مضرّتها لا تندفع بهذه الأصنام ، ويضرب المثل ببيت العنكبوت ؛ ليبيّن أنّ عبادتها أوهى وأضعف
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر البيت في اللسان (بعض) شواهد الكشاف : ١ / ١١٥ ، الدر المصون : ١ / ١٦٤ ، والمحرر الوجيز : ١ / ١١١.