فصل في استعمالات الهمزة
قال ابن الخطيب : «الهمزة تجيء تارة لتنقل الفعل من غير التعدّي إلى التعدّي كقولك : «خرج» فإنّه غير متعدّ ، فإذا قلت : «أخرج» فقد جعلته متعدّيا ، وقد تجيء لتنقل الفعل من التعدّي إلى غير التعدّي كقوله «كببته فأكب» (١) ، وقد تجيء لمجرّد الوجدان».
حكي عن عمرو بن معديكرب (٢) أنّه قال لبني سليم : «قاتلناكم فما أجبنّاكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم ، وسألناكم فما أبخلناكم» ، أي : ما وجدناكم جبناء ولا مفحمين ، ولا بخلاء. ويقال : أتيت أرض فلان فأعمرتها ، أي : وجدتها عامرة.
ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : الهمزة لا تفيد إلّا نقل الفعل من غير التعدّي إلى التعدّي ، وأمّا قوله : كببته فأكبّ ، فلعلّ المراد كببته فأكبّ نفسه على نفسه فيكون قد ذكر الفعل مع حذف المفعولين ، وهذا ليس بعرف؟!
وأما قوله : «قاتلناكم فما أجبناكم» فالمراد ما أثّر قتالنا في صيرورتكم جبناء ، وكذا القول في البواقي وهذا الذي قلناه أولى دفعا للاشتراك.
إذا ثبت هذا فنقول قولنا : «أضلّه الله» لا يمكن حمله إلّا على وجهين :
أحدهما : أنه صيّره ضالّا عن الدّين.
والثاني : وجده ضالّا.
فصل في معنى الإضلال
واعلم أن معنى الإضلال عن الدين في اللّغة : هو الدعاء إلى ترك الدّين ، وتقبيحه في عينه ، وهذا هو الإضلال الذي أضافه الله ـ تعالى ـ إلى «إبليس» فقال : (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) [القصص : ١٥] وقال : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) [النساء : ١١٩].
وقوله : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) [فصلت : ٢٩] ، وأيضا أضاف هذا الإضلال إلى فرعون ، فقال : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) [طه : ٧٩].
واعلم أنّ الأمّة مجمعة على أن الإضلال بهذا المعنى لا يجوز على الله تعالى ؛ فإنّه ما دعا إلى الكفر ، وما رغّب فيه ، بل نهى عنه ، وزجر وتوعّد بالعقاب عليه ، وإذا كان المعنى الأصلي في الإضلال في اللّغة هذا ، وهذا المعنى منفي بالإجماع ، ثبت انعقاد
__________________
(١) في أ : فانكب.
(٢) عمرو بن كريب بن صالح الرعيني أحد المقدمين في أيام عبد العزيز بن مروان بمصر ، جعل له ولاية الحرس والأعوان والخيل ، بعد وفاة جندب بن مرثد الرعيني وكانا من ثقاته فعاش عمرو بعد سلفه أربعين ليلة وتوفي بالقاهرة سنة ٨٣ ه.
ينظر الأعلام : ٥ / ٨٤ (٥٤٨) ، الولاة والقضاة : ٥٣.