تعالى ـ أخبر أن من فعل هذه الأفاعيل خسر فقال : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) كقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة : ٥٥] ، وقد تقدم أنه يجوز أن تكون هذه الجملة خبر (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ) إذا جعل مبتدأ.
وإن لم يجعل مبتدأ ، فهي مستأنفة ، فلا محلّ لها حينئذ ، و «هم» زائدة ، ويجوز أن يكون «هم» مبتدأ ثان ، و «الخاسرون» خبره ، والثاني وخبره خبر الأول.
والخاسر : الذي نقص نفسه حظها من الفلاح والفوز.
والخسران : النقصان ، كان في ميزان أو غيره ؛ قال جرير : [الرجز]
٣٤٢ ـ إنّ سليطا في الخسار إنّه |
|
أولاد قوم خلقوا أقنّه (١) |
يعني بالخسار ما ينقص من حظوظهم وشرفهم.
قال الجوهري : وخسرت الشيء بالفتح ـ وأخسرته نقصته.
والخسار والخسارة والخيسرى : الضّلال والهلاك. فقيل للهلاك : خاسر ؛ لأنه خسر نفسه ، وأهله يوم القيامة ، ومنع منزله من الجنّة.
فصل
قال القرطبي : في هذه الآية دليل على أنّ الوفاء بالعهد والتزامه ، وكل عهد جائز ألزمه المرء نفسه ، فلا يحل له نقضه ، سواء أكان بين مسلم أم غيره ، لذم الله ـ تعالى ـ من نقض عهده.
وقد قال : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] وقد قال لنبيه عليه الصلاة والسلام : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : ٥٨] فنهاه عن الغدر ، وذلك لا يكون إلّا بنقض العهد ، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٢٨)
اعلم أنه ـ تعالى ـ لما تكلّم في دلائل التوحيد ، والنبوة ، والمعاد شرع في شرح النعم التي عمت جميع المكلفين. فالمراد بهذا الاستخبار التّبكيت والتعنيف.
قوله : «كيف» استفهام يسأل به عن الأحوال ، وبني لتضمنه معنى الهمزة ، وبني على أخف الحركات ، وكان سبيلها أن تكون ساكنة ؛ لأن فيها معنى الاستفهام الذي معناه التعجب.
__________________
(١) ينظر البيت في ديوانه : (٥٩٨) ، القرطبي : (١ / ٢٤٨) ، الطبري : (١ / ٤١٧) ، الدر المصون : (١ / ١٦٨).