قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢٩)
هذا هو النعمة الثانية التي عمّت المكلفين بأسرهم.
«هو» مبتدأ ، وهو ضمير مرفوع منفصل للغائب المذكر ، والمشهور تخفيف واوه وفتحها ، وقد تشدد ؛ كقوله : [الطويل]
٣٤٣ ـ وإنّ لساني شهدة يشتفى بها |
|
وهوّ على من صبّه الله علقم (١) |
وقد تسكن ، وقد تحذف كقوله : [الطويل]
٣٤٤ ـ فبيناه يشري رحله ... |
|
........... (٢) |
والموصول بعده خبر عنه. و «لكم» متعلّق ب «خلق» ، ومعناها السّببية ، أي : لأجلكم ، وقيل : للملك والإباحة ، فيكون تمليكا خاصا بما ينتفع به.
وقيل : للاختصاص ، و «ما» موصولة ، و «في الأرض» صلتها ، وهي في محلّ نصب مفعول به ، و «جميعا» حال من المفعول بمعنى «كلّ» ، ولا دلالة لها على الاجتماع في الزّمان ، وهذا هو الفارق بين قولك : جاءوا جميعا و «جاءوا معا» فإنّ «مع» تقتضى المصاحبة في الزمان ، بخلاف «جميع» قيل : وهي ـ هنا ـ حال مؤكدة ، لأن قوله : (ما فِي الْأَرْضِ) عام.
فصل في بيان أن الأصل في المنافع الإباحة
استدلّ الفقهاء بهذه الآية على أنّ الأصل في المنافع الإباحة.
وقيل : إنها تدلّ على حرمة أكل الطّين ، لأنه خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض ، وفيه نظر ؛ لأن تخصيص الشيء بالذّكر لا يدلّ على نفي الحكم عما عداه ،
__________________
(١) البيت لرجل من همدان ينظر في شرح التصريح : ١ / ١٤٨ ، والمقاصد النحوية : ١ / ٤٥١ ، تخليص الشواهد : ص ١٦٥ ، وأوضح المسالك : ١ / ١٧٧ ، وخزانة الأدب : ٥ / ٢٦٦ ، والجنى الداني : ص ٤٧٤ ، وشرح الأشموني : ١ / ٨١ ، والدرر : ٦ / ٢٣٩ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٨٤٢ ، وشرح المفصل : ٣ / ٩٦ ، ولسان العرب (ها) ، ومغني اللبيب : ٢ / ٤٣٤ ، وهمع الهوامع : ١ / ٦١ ، ٢ / ١٥٧ ، والدر المصون : ١ / ١٧١.
(٢) جزء من صدر بيت للعجير السلولي وتمام البيت :
... قال قائل |
|
لمن جمل رخو الملاط نجيب |
ينظر خزانة الأدب : ٥ / ٢٥٧ ، ٢٦٠ ، ٩ / ٤٧٣ ، والدرر : ١ / ١٨٨ ، وشرح أبيات سيبويه : ١ / ٣٣٢ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ٢٨٤ ، ولسان العرب «هربد» ، «ها» ، والإنصاف : ص ٥١٢ ، والخصائص : ١ / ٦٩ ، ورصف المباني : ص ١٦ ، وشرح المفصل : ١ / ٦٨ ، ٣ / ٩٦ ، والدر المصون : ١ / ١٧١.