أما الأول فلأنه ليس من الأفعال المتعدية لاثنين.
أحدهما : بإسقاط الخافض ؛ لأنها محصورة في «أمر» و «اختار» وأخواتهما.
الثاني : أنه يقتضي أن يكون ثمّ سماوات كثيرة ، سوى من جملتها سبعا ، وليس كذلك.
الرابع : أن «سوى» بمعنى «صيّر» ، فيتعدّى لاثنين ، فيكون «سبع» مفعولا ثانيا ، وهذا لم يثبت أيضا ، أعني جعل «سوّى» مثل «صيّر».
فصل في هيئة السماوات السبع
اعلم أن القرآن ـ هاهنا ـ قد دلّ على سبع سماوات.
وقال أصحاب الهيئة : أقربها إلينا كرة القمر ، وفوقها كرة عطارد ، ثم كرة الزّهرة ، ثم كرة الشّمس ، ثم كرة المرّيخ ، ثم كرة المشتري ، ثم كرة زحل ، قالوا : لأن الكوكب الأسفل إذا مرّ بين أبصارنا ، وبين الكوكب الأعلى ، فإنهما يصيران ككوكب واحد ، ويتميز السّاتر عن المستور بلونه الغالب كحمرة المريخ ، وصفرة عطارد ، وبياض الزهرة ، وزرقة المشتري ، وكدرة زحل ، وكلّ كوكب فإنه يكسف الكوكب الذي فوقه.
فصل في الاستدلال على سبق خلق السماوات على الأرض
قال [بعض الملاحدة](١) : هذه الآية تدلّ على أن خلق الأرض قبل خلق السّماء ، وكذا قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩] إلى قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) وقال في سورة «النازعات» : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [النازعات : ٢٧] إلى أن قال : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٣٠] وهذا يقتضي أن يكون خلق الأرض بعد السماء ، وذكروا في الجواب وجوها :
أحدها : يجوز أن يكون خلق الأرض قبل السماء إلّا أنه ما دحاها حتى خلق السماء ؛ لأن التدحية هي البسط.
ولقائل أن يقول : هذا مشكل من وجهين :
الأول : أن الأرض جسم عظيم ، فامتنع انفكاك خلقها عن التّدحية ، وإذا كانت التّدحية متأخّرة عن خلق السماء كان خلقها لا محالة متأخرا عن خلق السماء.
الثاني : أن قوله : (خَلَقَ لَكُمْ الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) يدلّ على أن خلق الأرض ، وخلق كل ما فيها متقدم على خلق السماء ، وخلق هذه الأشياء في الأرض لا يمكن إلّا إذا كانت مدحوة ، فهذه الآية تدلّ على كونها مدحوة قبل خلق السّماء ، فيعود التّناقض.
__________________
(١) سقط في أ.