والجواب الثاني : أن قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) يقتضي تقديم خلق السماء على الأرض ، ولا يقتضي أن تكون تسوية السماء مقدّمة على خلق الأرض ، وعلى هذا التّقدير يزول التناقض.
ولقائل أن يقول : قوله : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) يقتضي أن يكون خلق السماء ، وتسويتها مقدما على تدحية الأرض ، ولكن تدحية الأرض ملازمة لخلق ذات الأرض ، وحينئذ يعود السؤال.
والجواب الثالث وهو الصحيح أن قوله : «ثمّ» ليس للترتيب هاهنا ، وإنما هو على جهة تعديد النعم ، على مثل قول الرّجل لغيره : أليس قد أعطيتك النعم العظيمة ، ثم وقعت الخصوم عنك ، ولعلّ بعض ما أخره في الذكر قد تقدّم فكذا هاهنا ، والله أعلم.
فإن قيل : هل يدلّ التنصيص على سبع سموات على نفي العدد الزائد؟
قال ابن الخطيب (١) : الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدلّ على نفي الزائد.
فصل في إثبات سبع أرضين
ورد في التنزيل أن السموات سبع ، ولم يأت في التنزيل أن الأرضين سبع إلّا قوله (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الطلاق : ١٢] وهو محتمل للتأويل ، لكنه وردت أحاديث كثيرة صحيحة تدلّ على أن الأرضين سبع كما روي في «الصحيحين» عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «من ظلم قيد شبر من الأرض طوّقه من سبع أرضين» (٢) إلى غير ذلك.
وروى أبو الضحى ـ واسمه مسلم ـ عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) قال : سبع أرضين في كل أرض نبيّ كنبيكم ، وآدم كآدم ، ونوح كنوح ، وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى» قال البيهقي : إسناد هذا عن ابن عبّاس صحيح (٣) وهو شاذّ لا أعلم لأبي الضّحى عليه دليلا (٤).
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ١٤٦.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح (٤ / ٢٢٣) كتاب بدء الخلق باب في سبع أرضين حديث رقم (٣١٩٥) ، (٣ / ٢٦١) كتاب المظالم باب إثم من ظلم شيئا حديث رقم ٤٥٣ ، ٢٤٥٢.
ومسلم في الصحيح (٣ / ١٢٣١ ـ ١٢٣٢) كتاب المساقاة (٢٢) باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها (٣٠) حديث رقم (١٢٤٢ / ١٦١٢) وأحمد في المسند ٦ / ٦٤ ، ٧٩ ، ٢٥٢ وذكره المنذري في الترغيب ٣ / ١٥ ـ وابن كثير في التفسير : ٨ / ١٨٢ والهندي في كنز العمال حديث رقم (٣٠٣٦٢).
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٣٨) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في «الشعب» و «الأسماء والصفات» وقال السيوطي : قال البيهقي : هذا إسناد صحيح لكنه شاذ ولا أعلم لأبي الضحى متابعا عليه.
(٤) في أ : مخالفا.