«اللام» المقوية ، وإذا تأخر أن يتعدى إليه بنفسه فقط؟.
فالجواب : أن أمثله المبالغة خالفت أفعالها ، وأسماء فاعليها لمعنى وهو شبهها ب «أفعل» التفضيل بجامع ما فيها من معنى المبالغة ، و «أفعل» التفضيل له حكم في التعدّي ، فأعطيت أمثلة المبالغة ذلك الحكم ، وهو أنها لا تخلو من أن تكون من فعل متعدّ بنفسه أو لا.
فإن كان الأول فإما أن يفهم علما أو جهلا أو لا.
فإن كان الأول تعدت بالباء نحو : (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) [النجم : ٣٢](وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [الحديد : ٦] و «زيد جهول بك» و «أنت أجهل به» وإن كان الثّاني تعدّت ب «اللام» نحو : «أنا أضرب لزيد منك» و «أنا ضراب له» ، ومنه : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، وإن كانت من متعدّ بحرف جرّ تعدّت هي بذلك الحرف نحو : «أنا أصبر على كذا» و «أنا صبور عليه» ، و «أزهد فيه منك» ، و «زهيد فيه».
فصل في إثبات العلم لله سبحانه بخلقه
هذه الآية تدلّ على أنه لا يمكن أن يكون خالقا للأرض وما فيها ، وللسماوات وما فيها من العجائب والغرائب إلا إذا كان عالما بها محيطا بجزئياتها وكلّياتها ، وذلك يدلّ على أمور :
أحدها : أن يفسد قول الفلاسفة الّذين قالوا : إنه لا يعلم الجزئيات ، ويدلّ على صحّة قول المتكلمين فإنهم قالوا : إنه ـ تعالى ـ فاعل لهذه الأجسام على سبيل الإحكام والإتقان ، وكل فاعل على هذا الوجه ، فإنه لا بد وأن يكون عالما بما فعله كما ذكر في هذه الآية.
وثانيها : يدل على فساد قول المعتزلة ، وذلك لأنه ـ سبحانه وتعالى ـ بين أن الخالق للشّيء على سبيل التقدير والتحديد ، لا بد وأن يكون عالما به وبتفاصيله ، لأن خالقه قد خصّه بقدر دون قدر ، والتخصيص بقدر معين لا بدّ وأن يكون بإرادة ، وإلا فقد حصل الرّجحان من غير مرجّح ، والإرادة مشروطة بالعلم ، فثبت أن خالق الشّيء لا بد وأن يكون عالما به على سبيل التفصيل.
فلو كان العبد موجدا لأفعال نفسه لكان عالما بها ، وبتفاصيلها في العدد والكميّة والكيفية ، فلمّا لم يحصل هذا العلم علمنا أنه غير موجد لأفعال نفسه.
وثالثها : قالت المعتزلة : إذا جمع بين هذه الآية وبين قوله : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦] ظهر أنه ـ تعالى ـ عالم بذاته.
والجواب : قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) عام ، وقوله : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [النساء : ١٦٦] خاصّ والخاص مقدّم على العام.