قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣٠)
هذه الآية دالّة على كيفية تنظيم الله ـ تعالى ـ لآدم عليه الصّلاة والسلام ، فيكون ذلك إنعاما عامّا على جميع بني آدم ، فيكون هذا هو النعمة الثالثة من تلك النعم العامّة التي أوردها.
«إذ» ظرف زمان ماض ، يخلص المضارع للمضي ، وبني لشبهه بالحرف في الوضع والافتقار ، وتليه الجمل مطلقا.
قال المبرد : إذا جاء «إذ» مع المستقبل كان معناه ماضيا كقوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ) [الأنفال : ٣٠] يريد : إذ مكروا ، وإذا جاء مع الماضي كان معناه مستقبلا كقوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] وقد يبقى على مضيّه كهذه الآية.
وإذا كانت الجملة فعلية قبح تقديم الاسم ، وتأخير الفعل نحو : «إذ زيد قام» ، ولا يتصرّف إلا بإضافة الزمن إليه ، نحو : «يومئذ» و «حينئذ» ، ولا يكون مفعولا به ، وإن قال به أكثر المعربين ، فإنهم يقدرون «ذكر وقت كذا» ، ولا ظرف مكان ، ولا زائدا ، ولا حرفا للتعليل ، ولا للمفاجأة خلافا لمن زعم ذلك.
وقد تحذف الجملة المضاف هو إليها للعلم ، ويعوض منها تنوين كقوله : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) [الواقعة : ٨٤] وليس كسرته ـ والحالة هذه ـ كسرة إعراب ، ولا تنوينه تنوين صرف خلافا للأخفش ، بل الكسر لالتقاء السّاكنين ، والتنوين للعوض بدليل وجود الكسر ، ولا إضافة ؛ قال الشاعر : [الوافر]
٣٥٠ ـ نهيتك عن طلابك أمّ عمرو |
|
بعاقبة وأنت إذ صحيح (١) |
وللأخفش أن يقول : أصله : «وأنت حينئذ» فلما حذف المضاف بقي المضاف إليه على حاله ، ولم يقم مقامه نحو : (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] بالجر ، إلا أنه ضعيف.
و (قالَ رَبُّكَ) : جملة فعلية في محلّ خفض بإضافة الظرف إليها ، واعلم أنّ «إذ» فيه تسعة أوجه ، أحسنها أنه منصوب ب (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) أي : قالوا ذلك القول وقت قول الله عزوجل (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وهذا أسهل الأوجه.
__________________
(١) ينظر البيت في ديوان الهذليين : (١ / ٦٨) ، ابن يعيش : (٣ / ٢٩) ، (٩ / ٣١) ، الخصائص : (٢ / ٣٧٦) ، مغني اللبيب : (١ / ٨٦) ، الجنى الذاتي : (١٨٧) ، شرح الأشموني : (١ / ٥٦) ، خزانة الأدب : (٦ / ٥٣٩ ، ٥٤٣ ، ٥٤٤) ، اللسان : شلل ، الدر المصون : (١ / ١٧٤).