آدم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ خليفة لأولئك الجنّ الذين تقدّموه ، لأنه خلفهم (١).
والثاني : إنما سمّاه الله خليفة ، لأنه يخلف الله في الحكم بين خلقه ، ويروى عن ابن مسعود ، وابن عباس ، والسّدي وهذا (٢) الرأي متأكّد بقوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) [ص : ٢٦]. [روى أبو ذر قال : قلت : يا رسول الله أنبيا كان آدم مرسلا؟ قال : نعم .. الحديث](٣).
فإن قيل : لمن كان رسولا ، ولم يكن في الأرض أحد؟.
فيقال : كان رسولا إلى ولده ، وكانوا أربعين ولدا في عشرين بطنا في كل بطن ذكر وأنثى ، وتوالدوا حتى كثروا ، وأنزل عليه تحريم الميتة والدّم ولحم الخنزير ، وعاش تسعمائة وثلاثين سنة. ذكره أهل التوراة والله أعلم. [وروي عن وهب بن منبه أنه عاش ألف سنة](٤).
وقرىء (٥) : «خليقة» بالقاف ، و «خليفة» منصوب ب «جاعل» كما تقدّم ؛ لأنه أسم فاعل ، وأسم الفاعل يعمل عمل فعله مطلقا إن كان فيه الألف واللام ، ويشرط الحال أو الاستقبال والاعتماد إذا لم يكونا فيه ، ويجوز إضافته لمعموله تخفيفا ما لم يفصل بينهما كهذه الآية.
فصل في وجوب نصب خليفة للناس
هذه الآية دليل على وجوب نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع (٦) ، لتجتمع به
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٩٣).
(٢) في أ : فأهل.
(٣) سقط في ب.
(٤) سقط في ب.
(٥) قرأ بها زيد بن علي وعمران بن عثمان أبو البرهسم الزبيدي.
ينظر غاية النهاية : ١ / ٦٠٤ ، المحرر الوجيز : ١ / ١١٧ ، البحر المحيط : ١ / ٢٨٩ ، الدر المصون : ١ / ١٧٧.
(٦) ذهب جمهور العلماء إلى أن نصب الخليفة ، وإقامته على الأمة واجب على المسلمين.
وخالفهم الأصمّ من المعتزلة ، وبعض الخوارج ؛ إذ قالوا بجواز نصب الخليفة لا وجوبه ، والواجب عندهم إمضاء أحكام الشرع ، فإذا اتّفقت الأمة على العدل ، وتواطأت على تنفيذ أحكام الله تعالى ، لم تحتج إلى خليفة ، ولا يجب عليها نصبه. والقائلون بوجوب نصب الخليفة اختلفوا في طريقه : فذهب أهل السنة ، وأكثر المعتزلة إلى أن نصبه واجب بالسّمع ، وذهب جماعة منهم : الجاحظ ، والخيّاط ، والكعبي ، وأبو الحسين البصري إلى أن نصبه واجب بالعقل.
استدل أهل السنة ، ومن وافقهم على الوجوب سمعا بأمور :
الأول : تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على امتناع خلو الوقت عن خليفة ، حتى قال أبو بكر في خطبته حين وفاة الرسول ـ عليهالسلام ـ : «ألا إن محمدا قد مات ، ولا بد ـ