٣٦٨ ـ فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا |
|
ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا |
أكرّ وأحمى للحقيقة منهم |
|
وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا (١) |
ف «القوانس» منصوب بفعل مقدر أي : ب «ضرب» لا ب «أضرب» ، وفي ادعاء مثل ذلك في الآية الكريمة بعد الحذف يتبيّن المفضل عليه ، والناصب ل «ما».
فصل في بيان علام الجواب في الآية
اختلف علماء التأويل في هذا الجواب وهو قوله : «إنّي أعلم ما لا تعلمون» فقيل : إنه جواب لتعجّبهم ، كأنه قال : لا تتعجّبوا من أن فيهم من يفسد ، ويقتل ، فإني أعلم مع هذا أن فيهم صالحين ، ومتّقين ، وأنتم لا تعلمون.
وقيل : إنه جواب لغمّهم كأنه قال : لا تغتمّوا بسبب وجود المفسدين ، فإني أعلم أيضا أن فيهم جمعا من المتّقين ، ومن لو أقسم على لأبرّه. وقيل : إنه طلب الحكمة كأنه قال : إن مصلحتكم أن تعرفوا وجه الحكمة فيه على الإجمال دون التفصيل. بل ربما كان ذلك التفصيل مفسدة لكم.
وقال «ابن عباس» : كان «إبليس» ـ لعنه الله ـ قد أعجب ودخله الكبر لما جعله خازن السّماء ، وشرفه ، فاعتقد أن ذلك لمزيّة له ، فاستحب الكفر والمعصية في جانب آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقالت الملائكة : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ، وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك ، فقال الله لهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢) ، وقيل : المعنى عام ، أي : أعلم ما لا تعلمون مما كان ، وما يكون ، وما هو كائن.
قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣١)
اعلم أن الملائكة لما سألوا عن وجه الحكمة ، فأجابهم على سبيل الإجمال بقوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ).
أراد الله تعالى أن يزيدهم بيانا ، وأن يفصّل لهم ذاك المجمل ، فبين تعالى لهم من فضل آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما لم يكن معلوما لهم ، وذلك بأن علم آدم الأسماء
__________________
(١) البيتان للعباس بن مرداس ينظر ديوانه : ص ٦٩ ، والأصمعيات : ص ٢٠٥ ، وحماسة البحتري : ص ٤٨ ، وخزانة الأدب : ٨ / ٣١٩ ، ٣٢١ ، وشرح التصريح : ١ / ٣٣٩ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٤٤١ ، ١٧٠٠ ، ولسان العرب (قنس) ، ونوادر أبي زيد : ص ٥٩ ، وخزانة الأدب : ٧ / ٢١٠ والأشباه والنظائر : ١ / ٣٤٤ ، ٤ / ٧٩ ، وأمالي ابن الحاجب : ١ / ٤٦٠ ، وشرح الأشموني : ١ / ٢٩١ ، ومغني اللبيب : ص ٢ / ٦١٨ ، الكشاف : ٤ / ٤٢٩ ، الدر المصون : ١ / ١٨٠.
(٢) أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس كما ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٩٥).