و «آدم» وإن كان مفعولا لفظا فهو فاعل معنى ، و «الأسماء» مفعول ثان ، والمسألة من باب «أعطى وكسا» ، وله أحكام تأتي إن شاء الله تعالى.
وقرىء (١) : «علّم» مبنيا للمفعول و «آدم» رفع لقيامه مقام الفاعل. و «كلّها» تأكيد للأسماء تابع أبدا ، وقد يلي العوامل كما تقدّم.
وقوله : «الأسماء كلّها» الظاهر أنه لا يحتاج إلى ادّعاء حذف ؛ لأن المعنى : وعلم آدم الأسماء ، ولم يبين لنا أسماء مخصوصة ، بل دلّ قوله : «كلها» على الشّمول ، والحكمة حاصلة بتعلّم الأسماء ، وإن لم يعلم مسمياتها ، أو يكون أطلق الأسماء ، وأراد المسميات ، فعلى هذين الوجهين لا حذف.
وقيل : لا بدّ من حذف ، واختلفوا فيه ، فقيل : تقديره : أسماء المسميات ، فحذف المضاف إليه للعلم.
قال الزمخشري : وعوض منه «اللام» ، كقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم : ٤] ورجّح هذا القول بقوله : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ، (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ولم يقل : «أنبئوني بهؤلاء» ، «فلمّا أنبأهم بهم» ولكن في قوله «وعوض منه اللام» نظر ؛ لأن الألف واللام لا تقوم مقام الإضافة عند البصريين. وقيل : تقديره : مسميات الأسماء ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، ورجح هذا القول بقوله : «ثمّ عرضهم» لأن الأسماء لا تجمع كذلك ، فدلّ عوده على المسميات ، ونحو هذه الآية قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ) [النور : ٤٠].
تقديره : أو كذي ظلمات ، فالهاء في «يغشاه» تعود على «ذي» المحذوف.
فصل في المراد بالأسماء في الآية
اختلف أهل التّأويل في معنى الأسماء التي علّمها لآدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال ابن عباس ، وعكرمة ، وقتادة ، ومجاهد ، وابن جبير : علمه أسماء جميع الأشياء كلّها جليلها وحقيرها(٢).
وروى عاصم بن كليب عن سعد (٣) مولى الحسن بن علي قال : «كنت جالسا عند ابن عباس ، فذكروا اسم الآنية واسم السّوط ، قال ابن عباس : وعلّم آدم الأسماء كلّها».
وروي عن ابن عبّاس ، ومجاهد ، وقتادة : «علمه أسماء كلّ شيء حتى القصعة
__________________
(١) قرأ بها يزيد اليزيدي واليماني والحسن.
انظر الشواذ : ٤ ، المحرر الوجيز : ١ / ١١٩ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٩٤ ، والدر المصون : ١ / ١٨١ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٨٤.
(٢) ذكر هذه الآثار السيوطي في «الدر المنثور» ١ / ١٠٠ ـ ١٠١.
(٣) سعيد بن مبروز الطائي ، بالولاء ، أبو البحتري ثائر ، من فقهاء أهل الكوفة. ـ