لتلك المعاني : لقوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها).
__________________
ـ أما المنقول : فمن وجوه ثلاثة :
الأول : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها).
وجه التمسك به : أن الله ـ تعالى ـ صرّح أنه علّم آدم الأسماء كلها ، وعلّم ، أي : أوجد فيه العلم ؛ وذلك لأن التعليم تفعيل ، وهو لإثبات الأثر الثلاثي المشتقّ منه ، بالنقل عن أئمّة اللغة ، فيكون لإثبات العلم بالأسماء في آدم ، ويلزم من ذلك التّوقيف ؛ وذلك لأن الأسماء بأسرها توقيفية ، على ما صرّح به في الآية ، وبيّنا وجه التمسك بها ، فيلزم كون الأفعال والحروف أيضا توقيفية ؛ لوجوه ثلاثة : أحدها : عدم القائل بالفصل ؛ وذلك لأن من الناس من قال : تكون الأسماء والأفعال والحروف توقيفية ، ومنهم من قال : تكون الجميع اصطلاحية ، فالقول بكون الأسماء توقيفية دون الأفعال والحروف قول ثالث ، وهو باطل بالإجماع.
الثاني : أنه يتعذر الإعراب عن جميع المعاني التي في النفس بالأسماء وحدها ، فلا بد من تعلّم الأفعال والحروف ؛ ليحصل التمكن من التعبير عن جميع المعاني ، فتكون الأسماء والأفعال والحروف توقيفية ، وهو المطلوب.
الثالث : هو أن الاسم مشتقّ من السّمة وهي العلامة ، والأفعال والحروف علامات على مسمياتها ، فيلزم من ذلك دخولها تحت قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها).
أما الأول : فإنه مذهب بعض أئمة العربية ، ونحن نفرع على هذا المذهب.
وأما الثاني : فظاهر ، وأما تخصيص كل واحد من الاسمين باسم خاص ، وهو الفعل والحرف ، فذلك حادث وهو عرف النّحاة ، وأما الوضع الأول فهو ما ذكرناه.
الوجه الثاني من الوجوه النقلية الدالة على التوقيف : قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ).
وجه التمسك بالآية هو : أن الله ـ تعالى ـ ذمّهم على تسمية بعض الأشياء بما سمّوها به ، ولو لا أن تسمية غيرها من الله توقيف وإلا لما صحّ هذا الذمّ ؛ لكون الكل اصطلاحا منهم.
الثالث من الوجوه النقلية : قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ).
وجه التمسك بها : أن هذه الآية إنما سيقت للدلالة على كمال القدرة الأزلية ، فبعد ذلك لا يخلو إما أن يكون المراد بها : اختلاف تأليفات الألسنة واختلاف صورها ، أو اختلاف اللغات التي تجري على اللسان.
ووجه الحصر :
أن المراد من اللفظ إما الحقيقة أو المجاز قطعا ، الأول : وهو الحقيقة ، والثاني : وهو المجاز ، وقد تعيّن بدليل تبادره إلى الذهن دون غيره من مجازات هذا اللفظ.
وإذا ثبت المراد في أحدهما ، فنقول : لا يجوز حمل اللفظ عليهما ؛ لأنه حمل للفظ على الحقيقة والمجاز معا ، وذلك لا يجوز ؛ على ما سيأتي ، فتعيّن الحمل على أحدهما دون آخر.
وإذا ثبت ذلك ، فنقول : الحمل على اللغات الجارية على الألسنة أولى من الحمل على الألسنة ؛ لأن الاختلاف في اللغات أبلغ ، وأكمل من الاختلاف في الألسنة ؛ وذلك لأن صور الألسنة وأشكالها تتشابه جدّا ، ولا كذلك اللغات ، فتكون دلالة اختلاف اللغات على ما سيقت الآية لأجله أبلغ وآكد ، فتعيّن الحمل عليه.
ونقل «ابن الحاجب» الحمل على اللغات بالاتّفاق ، فصار تقدير الكلام ـ والله أعلم ـ :