ورابعها : أن آدم ـ عليه الصّلاة والسلام ـ لما تحدّى الملائكة بعلم الأسماء ، فلا بد وأن تعلم الملائكة كونه صادقا في تعيين تلك الأسماء لتلك المسميات على ذلك التعليم.
فصل في بيان هل كان آدم نبيا قبل المعصية؟
قالت المعتزلة : إن علم آدم الأسماء معجزة دالّة على نبوّته ـ عليه الصلاة والسلام ـ والأقرب أنه كان مبعوثا إلى حوّاء ، ولا يبعد أيضا أن يكون مبعوثا إلى من توجّه التحدي إليهم من الملائكة ؛ لأن جميعهم وإن كانوا رسلا فقد يجوز الإرسال إلى الرسول ، كبعثة إبراهيم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ إلى لوط ـ عليه الصلاة والسّلام ـ واحتجوا بأن حصول ذلك العلم له ناقض للعادة ، فوجب أن يكون معجزا ، وإذا ثبت كونه معجزا ثبت كونه رسولا في ذلك الوقت.
ولقائل أن يقول : لا نسلم أن ذلك العلم ناقض للعادة ؛ لأن حصول العلم باللّغة لمن علمه الله ، وعدم حصوله لمن لم يعلمه ليس بناقض للعادة.
وأيضا فإما أن يقال : الملائكة علموا كون تلك الأسماء موضوعة لتلك المسميات ، فحينئذ تحصل المعارضة ، ولا تظهر المزية ، وإن لم يعلموا ذلك ، فكيف عرفوا أن آدم أصاب فيما ذكر من كون كلّ واحد من تلك الألفاظ اسما لكل واحد من تلك المعاني؟ واعلم أنه يمكن دفع هذا السّؤال من وجهين :
الأول : ربّما كان لكل صنف من أصناف الملائكة لغة من هذه اللغات ، وكان كل صنف جاهلا بلغة الصنف الآخر ، ثم إن جميع أصناف الملائكة حضروا وإن آدم ـ عليه الصّلاة والسلام ـ لما عدّ عليهم جميع تلك اللّغات بأسرها عرف كل صنف إصابته في تلك اللّغة خاصّة ، فعرفوا بهذه الطريق صدقه إلّا أنهم بأسرهم عجزوا عن معرفة تلك اللغات بأسرها ، فكان ذلك معجزا.
الثّاني : لا يمتنع أن يقال : إنه ـ تعالى ـ عرفهم قبل ذلك أنهم إذا سمعوا من آدم ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أظهر فعلا خارقا للعادة ، فلم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات أو من باب الإرهاص؟ وهما عندنا جائزان.
واحتج من قطع بأنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ما كان نبيا في ذلك الوقت بوجوه :
أحدها : أنه لو كان نبيا في ذلك الزمان لكان قد صدرت منه المعصية بعد النبوة ، وذلك غير جائز.
وثانيها : لو كان رسولا في ذلك الوقت لكان إما أن يكون مبعوثا إلى أحد ، أو لا يكون مبعوثا إلى أحد ، وإما أن يكون مبعوثا إلى الملائكة والإنس والجن ، والأوّل باطل ، لأن الملائكة عند المعتزلة أفضل من البشر ، ولا يجوز جعل الأدون رسولا إلى الأشرف ؛ لأن الرسول متبوع ، والأمّة تبع ، وجعل الأدون متبوع الأشرف خلاف الأصل ، وأيضا