الظاهر أنه لا مصلحة فيها ، ولكن لعلمي بالأسرار المغيبة أعلم أنّ المصلحة في خلقها.
وقيل إنه ـ تعالى ـ لما خلق آدم رأت الملائكة خلقا عجيبا قالوا : ليكن ما شاء فلن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أكرم عليه منه ، فهذا الذي كتموا ، ويجوز أن يكون هذا القول سرّا أسروه بينهم ، فأبداه بعضم لبعض ، وأسروه عن غيرهم ، فكان في هذا الفعل الواحد إبداء وكتمان.
وقالت طائفة : الإبداء والكتم المراد به العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم أجمع ، وهذه الآية تدلّ على فضيلة العلم.
قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٣٤)
العامل في «إذ» محذوف دلّ عليه قوله : «فسجدوا» ، تقديره : أطاعوا وانقادوا ، فسجدوا ؛ لأن السجود ناشىء عن الانقياد.
وقيل : العامل «اذكر» مقدرا.
وقيل : زائدة وقد تقدّم ضعف هذين القولين.
وقال «ابن عطية» : «وإذ قلنا» معطوف على «إذ» المتقدمة ، ولا يصحّ هذا لاختلاف الوقتين.
وقيل : «إذ» بدل من «إذ» الأولى ، ولا يصحّ لما تقدّم ، ولتوسّط حرف العطف ، وجملة «قلنا» في محل خفض بالظرف ، ومنه التفات من الغيبة إلى التكلّم للعظمة ، و «اللام» للتّبليغ كنظائرها.
والمشهور جرّ تاء «الملائكة» بالحرف ، وقرأ (١) «أبو جعفر» بالضم إتباعا لضمة «الجيم» ، ولم يعتد بالسّاكن ، وغلّطه الزّجاج وخطأه الفارسي (٢) ، وشبهه بعضهم بقوله تعالى : (وَقالَتِ اخْرُجْ) [يوسف : ٣١] بضم تاء التأنيث ، وليس بصحيح ، لأن تلك حركة التقاء السّاكنين ، وهذه حركة إعراب ، فلا يتلاعب بها ، والمقصود هناك يحصل بأي حركة كانت.
وقال الزمخشري : لا يجوز استهلاك الحركة الإعرابية إلّا في لغة ضعيفة كقراءة (٣)(الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ٢] يعني بكسر الدال.
__________________
(١) وكذلك قرأ بها سليمان بن مهران ، وقيل : هي لغة أزد شنوءة.
انظر البحر المحيط : ١ / ٣٠٢ ، والدر المصون : ١ / ١٨٦ ، والمحرر الوجيز : ١ / ١٢٤ ، والقرطبي : ١ / ٢٠٠ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٨٧.
(٢) سقط في ب.
(٣) وهي قراءة الحسن. انظر البحر المحيط : ١ / ١٣١ ، والدر المصون : ١ / ٦٥ ، والمحتسب : ١ / ٣٧ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٦٣.