الثاني عشر : قوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ) [الانفطار : ١٠ ، ١١] فيدخل فيه الأنبياء وغيرهم ، وهذا يقتضي كونهم أفضل من البشر لوجهين :
الأوّل : أنه ـ تعالى ـ جعلهم حفظة ، والحافظ للمكلّف عن المعصية يكون أبعد عن الخطأ من المحفوظ ، وذلك يقتضي كونهم أبعد عن المعاصي ، وأقرب إلى الطّاعات من البشر ، وذلك يقتضي مزيد الفضل.
والثاني : أنه ـ سبحانه ـ جعل كتابتهم حجّة للبشر في الطّاعات ، وعليهم في المعاصي ، وذلك يقتضي أن يكون قولهم أولى بالقبول من قول البشر ، ولو كان البشر أعظم حالا منهم لكان الأمر بالعكس.
ولقائل أن يقول : أما كون الحافظ أكرم من المحفوظ ، فهذا بعيد ، فإن الملك قد يوكّل بعض عبيده على ولده.
وأما الثاني فقد يكون الشاهد أدون حالا من المشهود عليه.
الثالث عشر : قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) [النبأ : ٣٨].
والمقصود من ذكر أحوالهم المبالغة في شرح عظمة الله وجلاله ، ولو كان في الخلق طائفة أخرى قيامهم وتضرعهم أقوى في الإنباء عن عظمة الله وجلاله وكبريائه من قيامهم لكان ذكرهم أولى.
ولقائل أن يقول : ذلك يدلّ على أنهم أزيد حالا من البشر في بعض الأمور ، فلم لا يجوز أن تكون تلك الحالة هي قوتهم وشدّتهم وبطشهم؟ وهذا كما يقال : إن السّلطان لما جلس وقف حول سريره ملوك أطراف العالم خاضعين فإن عظمة السّلطان إنما تشرح بذلك ، ثم إنّ هذا لا يدلّ على أنهم أكرم عند السلطان من ولده ، فكذا ها هنا.
الرابع عشر : قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] فبيّن تعالى أنه لا بدّ في صحّة الإيمان من الإيمان بهذه الأشياء ، فبدأ بنفسه ، وثنّى بالملائكة ، وثلّث بالكتب ، وربّع بالرسل ، وكذا في قوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) [آل عمران : ١٨] ، وقال : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦] ، والتقديم في الذّكر يدلّ على التقديم في الدرجة ؛ لأن تقديم الأدون على الأشرف في الذكر قبيح عرفا ، فوجب أن يكون قبيحا شرعا.
ولقائل أن يقول : هذه الحجّة ضعيفة ؛ لأن الاعتماد إن كان على «الواو» ف «الواو» لا تفيد الترتيب ، وإن كان على التقديم في الذّكر فينتقض بتقديم سورة «تبّت» على سورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١].
الخامس عشر : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) ، فجعل صلوات