الملائكة كالتشريف للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وذلك يدلّ على كون الملائكة أشرف من النبي. ولقائل أن يقول : هذا ينتقض بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فأمر المؤمنين بالصلاة على النبي ، ولم يلزم كون المؤمنين أفضل من النبي ، فكذا في الملائكة.
واحتجّ من قال بتفضيل الأنبياء ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ على الملائكة بأمور :
أحدها : أن الله ـ تعالى ـ أمر الملائكة بالسجود لآدم ، وثبت أن آدم لم يكن كالقبلة ، فوجب أن يكون آدم أفضل منهم ؛ لأن السجود نهاية التواضع ، وتكليف الأشرف بنهاية التواضع للأدون مستقبح في العقول.
وثانيها : أن آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ خليفة له ، والمراد منه خلافة الولاية لقوله : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) [ص : ٢٦].
ومعلوم أن أعلى الناس منصبا عند الملك من كان قائما مقامه في الولاية والتصرف ، فهذا يدل على أن آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان أشرف الخلائق.
فالدنيا خلقت متعة لبقائه ، والآخرة مملكة لجزائه ، وصارت الشياطين ملعونين بسبب التكبّر عليه ، والجن رعيته ، والملائكة في طاعته وسجوده ، والتواضع له ، ثم صار بعضهم حافظين له ولذريته ، وبعضهم منزلين لرزقه وبعضهم مستغفرين لزلّاته.
وثالثها : أن آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان أعلم ، والأعلم أفضل ، أما أنه أعلم فلأنه ـ تعالى ـ لما طلب منهم علم الأسماء (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] فعند ذلك قال الله : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [البقرة : ٣٣] وذلك يدلّ على أن آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان عالما بما لم يكونوا عالمين به ، والعالم أفضل لقوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩].
ورابعها : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٣٣] والعالم عبارة عن كل ما سوى الله ـ تعالى ـ فمعناه أن الله ـ تعالى ـ اصطفاهم على المخلوقات.
فإن قيل : يشكل بقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [البقرة : ٤٧].
قلنا : الإشكال مدفوع ؛ لأن قوله : (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) خطاب مع الأنبياء الذين كانوا أسلاف اليهود ، وحينما كانوا موجودين لم يكن محمد ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ موجودا في ذلك الزمان ، والمعدوم لا يكون من العالمين ؛ لأن اشتقاق العالم من العلم فكل ما كان علما على الله ودليلا عليه فهو عالم ، وإذا كان كذلك لم يلزم اصطفاء الله إياهم على العالمين في ذلك الوقت أن يكونوا أفضل من محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ