اختيار الشيخ أبي الحسن ، ورجّحه الطبري ، وهو ظاهر الآية أنه من الملائكة.
قال ابن عباس : «وكان اسمه عزازيل ، وكان من أشراف الملائكة ، وكان من أولي الأجنحة الأربعة ثم أبلس بعد» (١).
روى سليمان بن حرب عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : كان إبليس من الملائكة ، فلما عصى الله غضب عليه فلعنه ، فصار شيطانا.
وحكى الماورديّ عن قتادة : أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجنّة.
وقال سعيد بن جبير : إن الجنّ سبط من الملائكة خلقوا من نار ، وإبليس منهم ، وخلق معاشر الملائكة من نور (٢).
حجّة القول الأول ، وهو أنه لم يكن من الملائكة وجوه :
أحدها : قوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) وإذا كان من الجنّ وجب أن ألّا يكون من الملائكة لقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) [سبأ : ٤٠ ، ٤١] ، وهذا صريح في الفرق بين الجنّ والملك.
فإن قيل : لا نسلّم أنه كان من الجنّ ؛ لأن قوله : (كانَ مِنَ الْجِنِ) يجوز أن يكون المراد كان من الجنّة على ما روي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه كان من الجنّ كان خازن الجنة.
سلمنا ذلك ، لكن لم لا يجوز أن يكون قوله : «من الجن» أي : صار من الجن كقوله : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ).
سلّمنا ما ذكرتم ، فلم قلتم : إن كونه من الجنّ ينافي كونه من الملائكة ؛ لأن الجن مأخوذ من الاجتنان ، وهو الستر ، ولهذا سمي الجنين جنينا لاجتنانه ، ومنه الجنّة لكونها ساترة ، والجنّة لكونها مستترة بالأغصان ، ومنه الجنون لاستتار العقل به ، والملائكة مستترون عن الأعين ، فوجب جواز إطلاق لفظ الجنّ عليهم بحسب اللّغة ، يؤيد هذا التأويل قوله تعالى في الآية الأخرى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) [الصافات : ١٥٨] ، وذلك لأن قريشا قالت : الملائكة بنات الله ، فهذه الآية تدلّ على أن الملائكة تسمى جنّا.
والجواب : لا يجوز أن يكون المراد من قوله : (كانَ مِنَ الْجِنِّ) أنه كان خازن الجنّة ؛ لأن قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) [الكهف : ٥٠] يشعر بتعليل تركه السّجود
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (١ / ٥٠٢ / ٥٠٣) وذكره ابن كثير في تفسيره (١ / ١٣٩).
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ١٠٢) وزاد نسبته لابن أبي الدنيا في «مكائد الشيطان» وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب «الأضداد» والبيهقي في الشعب عن ابن عباس.
(٢) ينظر الدر المنثور : ١ / ١٠٢ ـ ١٠٣.