قوله تعالى : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ).
الظاهر أن هاتين الجملتين استئنافيتان جوابا لمن قال : فما فعل؟
والوقف على قوله : «إلّا إبليس» تام.
وقال أبو البقاء : «في موضع نصب على الحال من «إبليس» تقديره : ترك السجود كارها له ومستكبرا عنه».
فالوقف عنده على «واستكبر» ، وجوز في قوله : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا أيضا ، و «الإباء» : الامتناع ؛ قال الشاعر : [الوافر]
٣٨٦ ـ وإمّا أن يقولوا قد أبينا |
|
وشرّ مواطن الحسب الإباء (١) |
وهو من الأفعال المفيدة للنفي ، ولذلك وقع بعده الاستثناء المفرّغ قال تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢].
والمشهور «أبي ـ يأبى» بكسرها في الماضي ، وفتحها في المضارع ، وهذا قياس ، فيحتمل أن يكون من قال : «أبى ـ يأبى» بالفتح فيهما استغنى بمضارع من قال «أبي» بالكسر ويكون من التداخل نحو : «ركن ـ يركن» وبابه.
واستكبر بمعنى : تكبّر ، وإنما قدم الإباء عليه ، وإن كان متأخرا عنه في الترتيب ؛ لأنه من الأفعال الظّاهرة ؛ بخلاف الاستكبار ؛ فإنه من أفعال القلوب.
قوله : «وكان» قيل : هي هنا بمعنى «صار» ؛ كقوله : [الطويل]
٣٨٧ ـ بتيهاء قفر والمطيّ كأنّها |
|
قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها (٢) |
أي : قد صارت. ورد هذا ابن فورك وقال : «تردّه الأصول ، والأظهر أنها على بابها والمعنى : كان من القوم الكافرين الّذين كانوا في الأرض قبل خلق آدم على ما روي ، وكان في علم الله».
فصل في بيان بطلان قول أهل الجبر
قال القاضي : هذه الآية تدلّ على بطلان قول أهل الجبر من وجوه :
أحدها : أنهم يزعمون أنه لما لم يسجد لم يقدر على السّجود ؛ لأن عندهم القدرة
__________________
(١) البيت لزهير بن أبي سلمى ينظر ديوانه : ص ٧٤ ، والأشباه والنظائر : ٥ / ١٨٤ ، الدر المصون : ١ / ١٨٨.
(٢) البيت لعمرو بن أحمر ينظر ديوانه : ص ١١٩ ، وخزانة الأدب : ٩ / ١٠١ ، ولسان العرب (عرض) ، (كون) ، والحيوان : ٥ / ٧٥ ، وله أو لابن كنزة في شرح شواهد الإيضاح : ص ٥٢٥ ، وينظر أسرار العربية : ص ١٣٧ ، وشرح الأشموني : ١ / ١١١ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٦٨ ، وشرح المفصل : ٧ / ١٠٢ ، والمعاني الكبير : ١ / ٣١٣ ، الدر المصون : ١ / ١٨٨.